IMLebanon

أسرار التسوية الدَولية مع «داعش» في مخيّم اليرموك

 

تُعتبر التسوية – ولو غير المباشرة – التي عقدتها الأمم المتحدة والنظام السوري ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة، و»داعش» من جهة ثانية، لإخراجه من مخيم اليرموك الفلسطيني قرب دمشق، هي الأولى من نوعها لجهة إنشاء آلياتِ تَواصُل تؤمّن «حواراً دولياً ميدانياً» مع تنظيم الدولة الإسلامية.

لا شكّ في أنّ نجاح تسوية اليرموك سيُعتبر اختباراً لإمكانية فرض تطبيق وقف إطلاق نار شامل في سوريا، كما تمّ طرحها في لقاءات «فيينا ١ و٢» بوصفها تشكل أرضية تبدأ منها رحلة مسار الحلّ السياسي للأزمة السورية.

ويفسح إنجاز تسوية اليرموك، المجال للرهان على تحقيق وقف إطلاق نار في سوريا ناقص «داعش»، وذلك عبر بناء تفاهمات ميدانية معها تُفضي لنقلها من معظم الجغرافيا السورية وحصرها في منطقة معيّنة (الرقة) ليُصار الى تصفيتها في توقيت لاحق يُحدّده التفاهم الدولي عليه.

ومن ناحية عملية، تتكوّن تسوية إخراج «داعش» من مخيم اليرموك، من بند وحيد، وهو إخراج «داعش» وجميع المسلّحين الغرباء مع عائلاتهم من المخيم، وتأمين ممرٍّ آمن لهم، يسلكونه الى منطقة الرقة حيث عاصمة الخليفة أبو بكر البغدادي.

ولكنّ معلومات خاصة بـ«الجمهورية»، تكشف أنّ «داعش» تُطبّق التسوية على نحوٍ مخالف لجوهر بنودها وحرفيتها، خصوصاً في ما يتعلق بالجزئية التي تُحدّد الرقة مكاناً لانتقال مسلّحيها اليه، وبدلاً من ذلك تنقلهم الى منطقة الضمير لتدعيم وجودها العسكري هناك، وهو أمر يشكّل بنظر مراقبين عسكريّين خطراً على شمال لبنان.

ماذا في التفاصيل؟

تكشف هذه المعلومات أنّه قبل أيام، جرى تنفيذ الخطوة العملية الأولى في إطار بدء تطبيق تسوية مخيم اليرموك، حيث توجّه نحو ١٢٦ عنصراً من «داعش» من داخل المخيم الى منطقة محاذية له، تُدعى «محطة القدم للقطارات» الواقعة في محاذاة بلدة «السبينة» التي يسيطر فيها «حزب الله». ومن هناك استقلّوا حافلة خصّصتها لهم الجهة المشرفة على تطبيق التسوية.

ولكن في هذه الأثناء حصلت واقعة رسمت علامة استفهام حول خلفيات ما يحدث. وتمثلت في أنّ الحافلة لم تنقل الدفعة الاولى من «المرحَّلين الدواعش» الى منطقة الرقة كما تنصّ بنود التسوية التطبيقية على ما نشر في الاعلام، بل نقلتهم الى بلدة «بير قصب» في منطقة الضمير الواقعة بين مدينتَي تدمر وحمص.

ليس معروفاً حتى الآن ما إذا كانت التسوية تتضمّن بنوداً تطبيقية سرّية تسمح لمقاتلي «داعش» المرحَّلين من اليرموك بالانتقال الى منطقة الضمير، علماً أنّ نقلهم اليها يشكل خطراً مباشراً على أمن شمال لبنان.

فمنطقة الضمير التي يوجد فيها انتشارٌ عسكري محدود لـ«داعش»، تقع على طريق تدمر – حمص – دمشق، وميزتها الاستراتيجية العسكرية تكمن في أنها مفتوحة على مدينة حمص السورية في اتجاه مدينة طرابلس اللبنانية، ولديها أيضاً خطّ إمداد خلفي مع مدينة تدمر التي احتلّها تنظيم الدولة الإسلامية قبل اشهر، وهذه الأخيرة متصلة لوجستياً لمصلحة «داعش» بالرقة.

ومن منظار عسكري، فإنّ نقل قوة «داعش» العسكرية الى منطقة الضمير، سيسمح لها بتصليب وجودها المقاتل في هذه البقعة، ما يُسهّل عليها بناء خطّ عسكري معزَّز ومفتوح، يمتدّ من الرقة السورية الى طرابلس اللبنانية.

ويحفّز الاعتبار الآنف مراقبين عسكريين على التساؤل عن سبب وصول الدفعة الاولى من مرحّلي «داعش» الى منطقة الضمير بدلاً من الرقة. ويتمّ حالياً انتظار نهاية مطاف ترحيل الدفعات الباقية، لاستكشاف ما إذا كانت ستستقرّ هي الأخرى في الضمير.

وفي حال حصل ذلك فعلاً، فسيؤشر هذا الى أحد أمرين: إما وجود أسرار في التسوية أو إنّ «داعش» تتجاوز بنودها الأصلية. وفي الحالين تبقى النتيجة واحدة، وهي أنّ السماح لـ«داعش» بنقل قوّتها من اليرموك الى الضمير سيشكل تهديداً مستجدّاً ومُلحّاً ضدّ شمال لبنان وتحديداً ضدّ طرابلس ومينائها.

تجدر الاشارة الى أنّ عدد المرحَّلين «الدواعش» من اليرموك، يناهز الـ٢٥٠٠ نسمة، ثلثهم تقريباً من المقاتلين والباقون هم عائلاتهم. وسيشكل هؤلاء «الجهاديون مع عائلاتهم» فيما لو استقرّوا في الضمير «قوة عسكرية مع بيئة اجتماعية حاضنة لها» في تلك المنطقة المتّسمة بأنها مهجّرة بنسبة عالية. كما يعني هذا الأمر إنشاءَ رأس منصّة صلبة لـ»داعش» مسنودة بخدِّ إمداد نهايته في الرقة، يمكنها الإنطلاق منه للاقتراب من حمص وذلك من ناحية مفتوحة في اتجاه مدينة طرابلس اللبنانية.

تهجير عائلات اليرموك

والتجاوز الثاني الذي ارتكبته «داعش» خلال تطبيق التسوية حتى هذه اللحظة، تَمَثّل كما كشفته معلومات لـ»الجمهورية» بأنه لم يلتزم تطبيق حرفية البند المتعلّق بإخراج مقاتليها مع عائلاتهم من اليرموك.

فالتسوية تنصّ على إخراج عَائِلات «داعش» والغرباء من المخيم، فيما يُحاول التنظيم إخراج أكبر عدد من لاجئي أهالي المخيّم معها. وطوال الايام التي أعقبت اعلان التسوية، أغرت «داعش» اللاجئين الفلسطينيين من سكان المخيم لتسجيل أسمائهم على لوائحها بوصفهم عائلات مقاتليها، وذلك بغية ترحيلهم معهم الى «الرقة»!

وتلاقي دعوة «داعش» هذه، تقبلاً من عدد كبير من العائلات الفلسطينية في المخيم الذين يطمحون للوصول الى الرقة والتسلّل من هناك الى تركيا ومن ثمّ الهجرة الى أوروبا.

ويلاحَظ أنّ «منظمة التّحرير الفلسطينية المشرفة بالإضافة الى الدولة السورية والأمم المتحدة على تطبيق تسوية اليرموك، لا تبدي حزماً في مكافحة إجراء «داعش» لترحيل عائلات المخيم الفلسطينيين معها». ووفق مصادر فلسطينية، فإنّ مخيم اليرموك الاكبر في سوريا، يواجه تحدّي انقراضه ديموغرافياً.

فقبل العام ٢٠١١ كان عدد قاطنيه اللاجئين يناهز ١٩٠ الفاً، ومع دخول «داعش» الى المخيم بقيَ منهم ١٨ ألفاً، وفي هذه اللحظة يقدر عددهم بـ ٦ آلاف. وفيما لو نجح «داعش» في إخراج ٥٠٠ عائلة فلسطينية معه كما تقول المعلومات المتابعة للوائح التي يرفعها التنظيم الى الجهة المشرفة على تطبيق تسوية اليرموك، فإنّه لن يبقى في المخيم سوى المئات من اللاجئين الفلسطينيين فقط.

والسؤال الذي تطرحه جهات فلسطينية متابعة ميدانياً لمجريات تطبيق صفقة اليرموك هو: هل ثمن القبول الدولي بإجراء اتصال ميداني بـ»داعش»، مع غضّ طرفه عن ترحيل قواتها الى الضمير بدلاً من الرقة، هو أنّ هذه الخطوة تسمح ببدء المسار العملي لإنهاء وجود اللجوء الفلسطيني في سوريا.