تريد تركيا أن تقبض سلفاً ثمن تدخّلها العسكري الى جانب الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها لمحاربة «داعش». لا تعني كوباني شيئاً في الطموح التركي. ينظر الرئيس رجب طيب أردوغان الى الصورة الأكبر. يُحاول إسترجاع بعض ما فقدته السلطنة العثمانية، إلّا أن طموحه يتعارض مع ما تُخطّطه واشنطن للمنطقة.
في أيلول الماضي، إجتمع قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ويلز، وتوصّلوا الى تحديد مهمّتين للحلف:
الأولى، منع روسيا من التمدّد والعودة الى ما يشبه الإتحاد السوفياتي قوة ونفوذاً وانتشاراً.
الثانية، إحتواء تمدّد الدولة الإسلامية (داعش) في الشرق الأوسط.
غير أن المطالب التركية تُعمّق الإنقسام داخل الناتو. تريد أنقرة في العلن وقبل أن تتدخّل:
1-وعداً بتغيير النظام العلوي في سوريا. وهذا ما ترفضه واشنطن، ليس تمسُّكاً بالنظام بحد ذاته، وإنما لحسابات تتعلق بمستقبل الشرق الأوسط وحدوده الجغرافية والسياسية الجديدة وتقاسُم النفوذ فيه.
2- الموافقة على إقامة منطقة عازلة على مدى أربعين كيلومتراً داخل شمال سوريا، بهدف حماية النازحين وتدريب المعارضة المعتدلة وتسليحها لمحاربة النظام، على أساس أن المناطق العازلة المماثلة نجحت في شبه الجزيرة الكورية منذ 1973، وفي قبرص منذ 1974.
فرنسا تؤيّد هذه الخطوة، أما واشنطن ولندن فتدرسانها على رغم الرسائل المزدوجة التي يبعث بها الأميركيون، إذ إن الخارجية الأميركية تعتبر فكرة المنطقة العازلة تستحق الدرس، فيما ينفي البيت الأبيض والبنتاغون وجود أي نيّة لذلك.
من هنا، أتت زيارة قائد الحملة على «داعش» الجنرال المتقاعد جون آلن الى أنقرة الخميس الماضي، لإقناع تركيا بالإنخراط في الحملة، خصوصاً وإن الغرب يتعامل مع الإستراتيجية التركية بطلب إسقاط الأسد، على أنها متهوّرة. إلاّ أن أنقرة في الواقع، تملك أجندة أخرى طموحة لم تُعلن عنها رسمياً، بعدما أعاد سقوط الموصل في يد «داعش»، إحياء الأحلام التركية.
أولاً: تتطلع أنقرة الى تجديد مطالبها التي رفضها الحلفاء في مؤتمر باريس عام 1919، وهي أن تحدّ الأراضي التركية من الجنوب محافظتي الموصل وديار بكر، بالإضافة إلى جزء من محافظة حلب حتى شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
لا يُشاطر الغرب أنقرة هذا الطلب إطلاقاً، ولا يقبل «حكم الأعراق بإسم الدين»، بمعنى أن هذه المنطقة تضمّ خليطاً من الأكراد والعرب والتركمان واليزيديّين والسريان، ولن تُسلّم الى تركيا بإسم الدين الذي يجمع غالبيتهم.
ثانياً: إن عامل النفط هو جزء من المعادلة في المعركة. تسعى تركيا الى الحصول على الموصل التي كانت تحت سلطة الأمبراطورية العثمانية قبل سقوطها وتقاسُم غنائمها. وهناك وثائق رسمية بريطانية تكشف أن انقرة حاولت مراراً المطالبة بالموصل، وقد رُفِض طلبها في مؤتمر لوزان عام 1923.
واذا لم تتمكن تركيا من تحقيق ذلك، فإنها على الأقل تطمح الى الحصول على حقوق حصرية في الإستفادة من نفط كركوك، الذي أصبح قضية مستقلة وأكثر إشتعالاً بسبب النزاع عليه بين بغداد وإقليم كردستان.
ثالثاً: تريد تركيا أن تكون القوة الإقليمية الثالثة بين السعودية وإيران في الشرق الأوسط، فيما يُعاد رسم خريطة المنطقة وإعادة ترتيب موازين القوى فيها.
في هذا الوقت، ستستمر المشاهد المروعة من المجازر والمآسي الإنسانية والإغتصاب.