Site icon IMLebanon

أسرار الدخول التركي الى سوريا

لم تتغير قواعد اللعبة في سوريا، بعد أكثر من خمس سنوات من الحروب المدمِّرة.

ما زالت الخطوط الحمر ذاتها سارية، وأسباب القتال قائمة، وموازين القوى الأساسية لم تتبدّل، وعمليات التطهير الديموغرافي مستمرة، والغموض حول مستقبل سوريا قاتم، والحل السياسي بعيد بعيد.

«ممنوع إنهيار النظام، وممنوع إسقاط المعارضة»، تلك هي المعادلة. وكلّما تعب فريق، هرع حلفاؤه الى مدّه بالأوكسجين الكفيل بإطالة عمره، وبالتالي عمر النزاع.

عندما عانى النظام من الخسائر في أواخر 2012، تدخّلت إيران وحلفاؤها لمصلحته. وعندما استعاد أنفاسه وزمام المبادرة في أوائل 2013، زُوِّد مناوئوه بالسلاح والعتاد والدعم المخابراتي الخارجي. ويوم فكّر الرئيس الأميركي باراك أوباما ضرب مواقع للنظام لتجاوزه الخط الأحمر باستخدام السلاح الكيماوي، لفته الروسي إلى أن النظام لن يتحمّل «ضربة كف» وقد ينهار، فانكفأ أوباما.

وعندما انتصرت المعارضة في إدلب وامتدت الى مشارف اللاذقية الصيف الماضي وبات النظام مهدداً، سارعت القوات الروسية الى التدخّل…

في اختصار، يستمر كل من طرفَي النزاع في سوريا من خلال الدعم السياسي والعسكري والمخابراتي والمالي الخارجي، وكلّما فقد أحد الطرفين أرضاً، تدخّل راعيه الخارجي للحفاظ على توازن القوى. لا أحد منهما قادراً على الحسم العسكري، ولا قادراً على تحمّل الهزيمة. وكلّما زاد التدخّل الخارجي، ازدادت المصالح المتضاربة تعقيداً وطالت الحرب.

ويتوقع خبراء دوليّون في الحروب الأهلية أن يستمر النزاع في سوريا أكثر من عشر سنوات، على رغم أن قوات النظام ومسلّحي المعارضة تعبوا وضعفوا، وهم يقاتلون لتجنّب الهزيمة أكثر مما يقاتلون بهدف الإنتصار.

في هذا السياق، خرج أهالي داريا ومسلّحوها من بلدتهم ومنازلهم بعدما أعياهم التعب والجوع والحصار. وهذا الخروج إضافة الى أنه يُساهم في «تأمين أسوار دمشق»، إلّا أنه يدخل في إطار عمليات التهجير الممنهج والتغيير الديموغرافي، إستعداداً لإحتمال تقسيم سوريا، أو فرض نظام الكانتونات عليها مستقبلاً.

وفي الوقت ذاته، دخلت القوات التركية الى سوريا من أجل منع اكتمال الكانتون الكردي على حدودها في الشمال السوري، بعدما أوشك «حزب الإتحاد الديمقراطي» الكردي من تحويل حلم «كردستان سوريا» الى أمر واقع، ما يشكّل تهديداً حقيقياً لوحدة تركيا نفسها، لأن ذلك من شأنه أن يُسهِّل إستقلال «كردستان التركية».

فـ«حزب الإتحاد» يسيطر على أرض يعيش فيها مليونا نسمة في شمال شرق سوريا، ستون في المئة منهم من الأكراد، وكان يسعى، بموجب خرائط أعدّها، الى ضمّ مقاطعة عفرين وأعزاز وجرابلس ومناطق منبج الشمالية، ليكون على مسافة 70 كيلومتراً من البحر الأبيض المتوسط. وهذا ما لا يتوافق مع مصالح تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري.

إن التدخّل التركي وجّه ضربة قاضية لخريطة «حزب الإتحاد الديمقراطي» الجغرافية والسياسية، لكنه لم يُلغِ نظام الكانتونات، وإنما أعاد رسم الكانتون الكردي شرق الفرات. وهذا ما فرض نفسه مادة اساسية في اجتماع العشر ساعات بين لافروف وكيري في جنيف.

وقد جاءت إعادة صياغة الدور التركي في المنطقة في توقيت سياسي ملائم، الأمر الذي يُفسّر الدعم الأميركي لعمليتها العسكرية، والقبول الروسي، والتفهّم الإيراني.

وهذه التغيّرات الميدانية يُرافقها تطهير عرقي ومذهبي، ولو استطاع الأكراد توسيع كردستان السورية، لكانوا أبعدوا العرب والأقليات الأخرى من مناطقهم، أما اليوم فالتطهير قد يطاول الأكراد في «المنطقة الآمنة».

إن التطهير العرقي والمذهبي هجّر نصف سكان سوريا حتى الآن، حسب إحصاءات دولية، وبات جزءاً لا يتجزأ من إستراتيجية النظام ومعارضيه، وسيخلق مشكلة إعادة تنظيم أوضاع النازحين مستقبلاً، خصوصاً في دول الجوار وعلى رأسها لبنان.