الواقع اللبناني وتداخلاته الاقليمية اصبح على خطوط التماس الاوكرانية سياسيا وامنيا واقتصاديا، وذلك بعد انتقال الواقع الدولي من العجز الجماعي الى الاستنفار الجماعي على كل الجبهات والقضايا والموضوعات، وما شهده لبنان من ظهور تباينات سياسية بعد بيان وزارة الخارجية واستنكار الاجتياح الروسي وتلك التباينات عبرت عن الارتباك الاقليمي المتقاطع مع السياسات اللبنانية المستتبعة، حيث انتهى ذلك الالتباس بعد التصويت على قرار الادانة في الجمعية العامة وتصويت١٤١دولة تستنكر الاجتياح الروسي من ضمنهم لبنان والعديد من الدول العربية بالاضافة الى٣٥ دولة غير معترضة وامتنعت عن التصويت واعتراض٥ دول فقط.
تحاول المكونات السياسية اللبنانية الاختباء خلف التحضيرات الانتخابية والترشيحات وتشكيل اللوائح وذلك نتيجة عجزها عن معرفة اتجاهات الرياح الاقليمية والدولية بعد اوكرانيا، والجميع يحاول اخفاء مخاوفه من التداعيات التي قد تحدث في ساحات النزاع من سوريا الى فلسطين الى اليمن وليبيا والعراق ولبنان، تلك الساحات التي تعيش حالا من الارتياب والاستنفار نتيجة التحولات والاصطفافات الجديدة وسقوط كل الهوامش والاستثناءات التي تحكمت بمسارات النزاعات والتحالفات، مع احتمال اشتعال جبهات جديدة وإحداث تغييرات كبرى، وربما نكون امام انسحابات غير متوقعة من ساحات النزاع نتيجة التغيير في الأولويات وقد نشهد تحولات مذهلة تجعل من الاعداء حلفاء والحلفاء اعداء.
كثيرة هي القضايا والموضوعات التي تحتاج الى الشروع في عملية تفكير وطنية حقيقية من اجل صياغة اسئلة كيفية موضوعية لا تتضمن اجابات مسبقة، في مقدمتها سؤال (كيف يمكن الحفاظ على الحد الادنى من الاستقرار الهش في لبنان سياسا وامنيا ومجتمعيا واقتصاديا وخدماتيا)، لان اي خلل في الاستقرار الامني الهش سيجعل الكاميرات الاعلامية تنتقل من مأساة اوكرانيا الى مأساة لبنان، خصوصا مع تعاظم منسوب التعبئة والاحقاد التي تهيمن على الخطاب السياسي والانتخابي والتي قد تؤدي الى الدخول في عملية عنف اهلي في لبنان نتيجة انعدام وجود تشكيل وطني رادع وقادر على منع الانزلاق نحو العنف الاهلي المدمر، بالاضافة الى محاولة العبث بتماسك المؤسسات الامنية والعسكرية الضامنة لما تبقى من استقرار هش في لبنان، والايام القادمة ربما ستحمل الكثير من المتغيرات الصادمة على دول الجوار نتيجة اعادة تجديد التحالفات العسكرية الاميركية والشراكات الاوروبية وخصوصا الفرنسية التي كانت ترعى الاستقرار الهش منذ تفجير٤آب، بالاضافة الى ما تواجهه ايران من انعدام الهوامش و تغيير الاولويات وضرورات العودة الى الاتفاق النووي ورفع العقوبات وتبعات الانخراط بالنزاعات .
الخواء السياسي الوطني الحالي هو نتيجة طبيعية لتعاظم الخطاب الطائفي والمذهبي الذي خبرناه مرات ومرات على مدى عقود طوال وكانت النتيجة عينها، وهي تعطيل انسياب التجربة الوطنية اللبنانية وتفريغها من مقومات الوحدة والنهوض والاستقرار، وقد لا نجد اسرة لبنانية الا وفقدت احد افرادها او تجرعت مرارات النزوح والتهجير واللجوء نتيجة العنف الطائفي أو الاحتلال، وما نحن عليه من مجاعة وافلاس وظلام وضياع وتفكك للمؤسسات هو نتيجة حتمية لتصاعد الخطاب الطائفي والمذهبي وتلاشي الهوية الوطنية الجامعة امام هيمنة الوصايات على كافة المكونات والاتجاهات وتحويل اللبنانيين الى قطعان مذهبية وطائفية بعد قتل الرواد والقادة و تهميش الافراد مما يسهل العبث بالقطعان الطائفية في لبنان نتيجة الخواء السياسي الوطني .