التعصب من كلمة عصب أي تحرك من انفعالات لا يسودها العقل إلا قليلاً. السؤال العميق كيف تكون متدينا ولا تحب أهل دينك بنوع خاص لأن ثمة رابطًا أساسيًا عميقًا بينكم وهو رباط الإيمان. ولا يبدأ التعصب من الإيمان بالله إذا عرفناه على انه تماسك اجتماعي لا يدل، ضرورة، على شعور ديني عميق يجمعك بأقرانك في الإيمان ولا يبعدك عمن دان بعقيدة أخرى. بكلام فلسفي، التعصب يشبه الشعور القبلي الذي ليس فيه مضمون ولكنه يقوم على التماسك بالأعصاب مع أهل ديانتك بفهم كبير أو قليل.
التعصب مرتبط دائما بجهل دين الآخر أو حقيقة ما في قلب الآخر. تقديرك أنت بسبب مما استلمت اجتماعيا انه على هذا الخلق أو ذاك، على طبائع تنسبها أنت إلى أهل ديانة له قد تعرف عنها القليل لأنك ان عرفت الكثير فلا بد لك من تقديرها واحترامها ان كنت على قسط من المحبة. وغالبا ما دلت معرفتنا للواقع ان الذين يكرهون أهل ديانة أخرى أو لهم عليهم تحفظ لا يعرفون الا القليل عنهم وعن ديانتهم. أنا متأكد كل التأكيد انك لو كنت مسيحيًا وتعرف الكثير عن الإسلام وتحب ما تعرف يحتضن قلبك المسلم الذي تجاوره وان كنت مثقفا تقدر الشيء الكثير من ديانته على الأقل وتعترف جهارا بالحقيقة التي في دينه.
ثم إذا اتسع قلبك للخيرات ترى في ديانته بهاء ليس لك ان تراه إذا انغلق قلبك. آن لنا ان نتروض على ان الأديان ليست حظائر أو أحزابا ولك ان عرفتها ان تذوق انفتاحها وبخاصة ان تحب عظماء الإيمان فيها لأنهم في عمقهم لله واجترئ ان أقول انهم آتون من الله. وما لم تفهم هذا تكون حصرت الله في السماوات وما رأيته في الأرض.
القاعدة تاليا ان تحب الناس إلى أي دين انتموا حبا واحدا. عقيدتك لك وقلبك للجميع. المحبة تذهب منك إلى كل إنسان بالقوة الواحدة وإذا كنت تميز في الحب بين أهل الأديان فلست على دين. العقل في تحركه يمكن ان يميز. القلب ان كان طاهرا لا يميز. وان كانت القلوب تجمع الناس فهم واحد. ومن لا يتسع قلبه لكل أصناف البشر ليس عنده إله. أنت في القلب لست أقرب الى أهل دينك. أليس البار أوغسطينس هو القائل: “أحبب قريبك وأفعل ما تشاء”؟ ذلك ان هذا القديس الافريقي كان يفهم ان المحب لا يخطئ.
أنا أفهم فهما عميقا انك، متدينا، تحب الصالحين من أهل ديانتك. هذه قربى في العمق لأنها تنتسب إلى الله. ولكني أفهم أيضًا بالقوة نفسها ان المسيحي الكبير يحب المسلم الكبير وبالعكس لأن كل واحد منهما يعرف ان الآخر هو لله. بتأكد من إيماني الأرثوذكسي أقول إن العقيدة المسيحية تأمرني بأن أشمل المسلم بالمحبة الواحدة التي عندي للمسيحي وان المعتقد اللاهوتي لا يفرق القلوب. ذلك انك، مسيحيا، ان أحببت جميع الناس على السواء تراهم واحدا في المسيح. الأديان ليست حظائر ولا تفريق عند الله بين ناسها فاذا كان الله يراهم واحدا لماذا تريد ان يحاكموا بعضهم بعضاً؟ أنا ما قلت إن الأديان واحدة. أنا قلت إن الناس واحد لأن الله يراهم واحدا.
من الأمور السهلة عند المؤمن الحاصل على ثقافة دينية كبرى ان يحب جميع الناس بقوة واحدة وان يفرق بين مقولهم. في لاهوتنا المسيحي ان غير المسيحي ان كان واحدا في السلوك مع المسيحي ينظر اليه الرب نظرة واحدة. وفي أدق تعليم مسيحي هو مسيحي. هناك من عمده ذووه بالماء وهناك من عمده الله بالروح القدس إلى أي دين انتمى. وفي العمق الكنيسة هي التي يراها الله وفيها المعمد وغير المعمد.