عندما يعلن ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز «استحالة الحوار» مع ايران التي تحضر البيئة الخصبة لوصول المهدي المنتظر..؟ عبر «السيطرة على العالم الاسلامي»، فذلك يكون رسالة بالغة الدلالة خلاصتها دعوة ايران لاعادة النظر في سياساتها الخارجية والكف عن التدخل في صلب الأمور الداخلية لسائر دول الجوار، على خلفية «تصدير الثورة» التي انطلقت مع الامام الخميني، حيث ومنذ ذلك التاريخ (اواخر ثمانينات القرن الماضي) لم تستقر المنطقة على وضع وهي تعاني من «حروب الآخرين على أرضنا»، بعدما – استغلت الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي هذه التطورات لتحقيق استراتيجياتهما في المنطقة وتفكيك وحدتها الجغرافية والبشرية ومنع تحولها الى دولة وأمة ووطن ليسهل على «إسرائيل» تحقيق حلمها التاريخي..
من أسف، ان «لبنان الكبير» لم يكن بمنأى عن كل ذلك، وهو منذ اعلان ولادته في أيلول 1920، على لسان جنرال الانتداب الفرنسي غورو، ولد حاملاً أزمة هوية وأنظمة نظام وازمة انتماء.. وقد تعزز ذلك في العام 1943 (الاستقلال) على قاعدة «التسوية الطائفية».
ليس من شك في أن أزمة النظام في لبنان هي «أزمة مزمنة» وعمرها من عمر الاستقلال، بل من قبل الاستقلال، وقد تعززت هذه الأزمة، واغرق النظام الطائفي لبنان في أزمات بالغة الخطورة، قسمت اللبنانيين الى طوائف ومذاهب، باتت معبراً لصراعات الخارج، حتى ان البعض ذهب بعيداً في الاستنتاج مؤكداً ان النظام اللبناني، القائم على الطائفية والمذهبية بات ولاّد أزمات، فلا يكاد يخرج من أزمة حتى يقع في أزمة.. الخاسر الأول والوحيد فيه هو شعب لبنان، والرابح الأول فيها هو الكيان الاسرائيلي، والعاملون على تقسيم المنطقة والحاقها كيانات بهذا المحور او ذاك.. حيث لم يتردد البعض من القوى والاحزاب والشخصيات والمشاركين في الحكم من الرهان على الخارج ساعين الى خلق معادلات بالغة الخطورة على الداخل اللبناني وعلاقاته الخارجية..
لقد لازمت الطائفية، ولاحقاً المذهبية، تاريخ لبنان الحديث وتفشت فيه وهي لم تجد جذورها في التنوع الديني في لبنان كمصدر شراء روحي وثقافي ووجداني وأخلاقي بل من «تسييس الدين» والخلط بين الدين والسياسة والدولة بحيث تحول لبنان الى «كانتونات طائفية ومذهبية» والطوائف والمذاهب الى دويلات ضمن الدولة، ما عزز من أزماته المتراكمة والمتعددة العناوين.. وذلك خلاف ما كان اتفق عليه في الطائف، لجهة الفصل ما أمكن بين الدين والدولة، والغاء الطائفية السياسية، الذي حكماً لا يعني الغاء الطوائف..
قد يرى البعض مبالغة في رمي كرة المسؤولية في ذلك على مخططات خارجية، وهذا صحيح، حيث أنه يستحيل تنفيذ أي مخطط خارجي من دون أدوات في الداخل.. وعودة قليلة الى الوراء تظهر الدور الاسرائيلي في ذلك، ففي 24 شباط 1954 بعث ديفيد بن غوريون (أول رئيس في الكيان الصهيوني) برسالة الى موشي شاريت (رئيس الحكومة) يقول فيها: «بما ان لبنان أضعف الدول العربية فيجب ان يكون الحلقة الأولى في سلسلة الدول الطائفية التي تعمل لها استراتيجيتنا لاقامتها حول إسرائيل.. وبذلك تكون مهمتنا الرئيسية هي خلق الفوضى والاضطراب واشعال حرب أهلية لخلق دولة مسيحية في لبنان، ومن دون مساعدتنا ومبادرتنا لن يتم الأمر.. ويجب ان لا نبخل بالمال حتى لو جازفنا به مجازفة.. فيرد شاريت قائلاً: «.. ان احتمال قيام الدولة المسيحية في لبنان يصبح قابلاً للتحقق على اثر سلسلة من الهزات تمر بالشرق الاوسط وتحزم الأمور لتخرج منها بقوالب جديدة.. وأنه لا يكفي اجراء عملية جراحية للبنان باندلاع الحرب الأهلية فيه، بل يجب تدمير أجهزة الدولة بما يجعل لبنان غير قابل للحياة..»؟!.
نستحضر هذه المقطوعات، ولبنان اليوم، يعيش أزمة تهدد مؤسساته ووحدته بأفدح الأخطار، على خلفية عدم التوافق على قانون جديد للانتخابات النيابية، «يحفظ لكل طائفة حقوقها» (؟!) ويتعامل مع اللبنانيين على أنهم «قطعان طائفية ومذهبية، لا مواطنين في دولة مدنية متساوين في الحقوق والواجبات.. الأمر الذي عزز لدى عديدين مخاوف من ان ينجر لبنان الى الفتنة.. ومن بينهم الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، الذي استفاق على واقع بالغ الخطورة، لافتاً في كلمته قبل أيام، في «يوم جريح المقاومة» الى ان «موضوع قانون الانتخاب حساس جداً وعلى درجة عالية من الأهمية» خصوصاً وأنه ربط ذلك بالاشارة الى «ان هناك من يستغل قانون الانتخاب لتصفية حسابات سياسية..» وهو إذ يشدد على وجوب «الاعتراف بأن للمسيحيين هواجسهم، كما للدروز..» فقد خلص الى نتيجة أنه «لا يمكن فرض قانون خلافاً لرغبتهم وارادتهم..» داعياً «لمواصلة الحوار للوصول الى نتيجة».
هي رسالة الى الخارج، كما الى الداخل، من فريق لم يتردد في الماضي عن اعلان ولائه لدولة «الولي الفقيه».. وهو أمام امتحان بالغ الدقة والأهمية في ترجمة دعوته الى «التوافق على أي قانون انتخابي تريدون..» وقد بات الحزب في أولوية الاهتمامات الاميركية والاسرائيلية، وما يمكن ان ينتج عن ذلك من مضاعفات وصفت بأنها بالغة الخطورة.. وايران تدير ظهرها لمطالب دول الجوار بالكف عن سياسة «تصدير الثورة» والتدخل في صلب الشؤون الداخلية – الأمر الذي تستغله أميركا وإسرائيل ايّما استغلال..