لم يَعد بخافٍ على أحد أنّ الفتنة “حاضرة ناضرة” وأنّ كلّ الفرقاء يحملون بأيديهم أعواد الثّقاب المشتعلة يحدّقون في فتيل الحرب الذي بات قريباً جدّاً بالاشتعال، ولم يعد بخفيّ أنّ جميع المسؤولين ليسوا بوارد العمل على إيجاد حلول لأزمات البلد وليس لديهم أدنى استعداد لتهدئة قطعانهم الهائجة والجاهزة للقفز في الهاويات السّاحقات وأخذ كلّ ما تستطيع في طريقها!
لطالما تعوّذ اللبنانيّون من سيرة الحرب الأهليّة التي عاشوا ويلاتها “تنذكر ما تنعاد”،اليوم بات اللبنانيّون متأكّدين من أنّها ستعاد وتعاد وتعاد إلى ما لا نهاية، مجدّداً أخبار المواجهة في اللجان النيابيّة وموضوع تمويل الإنتخابات البلديّة أوشك أن يفضي إلى تضارب استدعى في ذاكرة اللبنانيّين صورة من المجلس النيابي كان فيها النّائب أمين الجميّل يمسك بتلابيب رئيس الحكومة آنذاك رشيد الصّلح، واستخدمت هذه الصّورة كحطب يابس جاهز للاشتعال، إيقاظ ذاكرة الحرب الأهلية وسلسال الاتهام بالإجرام رفض سامي الجميّل الانزلاق إليه وسارع الرئيس نبيه بري للقبض على جمرة الفتنة بيده، البلاد أصبحت على أهبة الاستعداد للفوضى وأخوف ما نخاف أن تكون الانتخابات البلديّة بوابتها المشرّعة على نيران المناطق التي تعسّ تحت الرّماد بين جنود الربّ وجنود السيّدة ودراجات الطريق الجديدة وصيحات الله أكبر في الأشرفيّة ابتهاجاً بماتش المونديال التشريني.
كلّ قرن أو نصف قرن أو أقل من ذلك لنا موعد مع حرب أو شبه حرب، ولا دعوات الحوار لحلّ المنازعات السياسيّة الدّائمة والمماحكات اليوميّة ولا حتّى فولكلور تبادل المحبّة والأخوّة في الوطن والعيش المشترك تنطلي على أحد أبداً، ولم يعد واقع لبنان واقعاً يختصره توصيف “النّار تحت الرّماد” لأنّها ليست ناراً ولا رماداً إنّها حرب حقيقيّة جاهزة للاندلاع في أيّ وقت متى استدعت الأمور اندلاعها وقد بات استدعاؤها قريباً أكثر ممّا يتصوّر الجميع، ومُداراتها بالقول “تحت الرّماد” مجرّد ذرّ للرّماد في عيون الحقيقة، إنّها تتّقد ولهيبها يتطاول ينتظر أن ينشب في الثوب اللبناني وألوانه المرقّعة البشعة بطائفيّتها المتوحّشة!
لا نستطيع أن ندّعي كلبنانيين أنّ دورنا في لعبة الحرب مجرّد ضحايا، بل على العكس أزمة “التوقيت الشتوي والصيفي” أنّنا كشعوب بطوائفها ومذاهبها متورطة حتى النهاية في التماهي مع هذه اللعبة واحتشدنا لممارستها بمنتهى الهمجيّة على مواقع التواصل الإجتماعي وأنّنا ننقلب فجأة إلى “أرطة همج وفالتة”!! نحن الأداة ونحن الوقود وللأسف نحن الضّحايا، عندما تتداعى علينا صور الحرب حتى من قبل اندلاعها، من تاريخ استقلال لبنان ، دمية المنطقة التي تفصّلها بعد اكتمال الصورة التي سيتمظهر فيها لبنان، منذ العام 1920، منذ العام 1943 ، منذ العام 1958 ،منذ العام 1969 ، منذ العام 1975 وحتى هذا اليوم، في هذه اللحظة المفصليّة التي نترقّب فيها جميعاً ما يخطط للبنان المالي والاقتصادي والمصرفي والتأجيج الطّائفي،كلّ ما يحدث يستدعي أن نخاف وأن نفهم أنّه ما أشبه أحداث لبنان اليوم بأمسه مع إفلاس بنك أنترا الذي يعتبر كثيرون أنّه كان إشارة أولى، ألم ينهب بنك دي روما عشية اندلاع الحرب الأهليّة، ثمّ القلاقل والاشتباكات الليليّة الدّوارة التي تنتظر إشارة الانطلاق، فاستعدّوا!