تجذُّر النظام الطائفي في لبنان، والفشل الجماعي في السعي لتجاوزه أو إلغائه ولّدا أزمة حكم، وليس أزمة حكومة.
منذ سنة 1975، طرحت الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط، “البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي”، والذي تضمّن رؤية متكاملة لتحقيق المساواة بين المواطنين بعيداً من الانتماءات الطائفية، وهو كان محاولة جدّية واستباقية لتلافي انفجار الحرب الأهلية. ولكن للأسف، كانت المواقف الدولية والإقليمية أكبر من أن تتيح تطبيق هذا البرنامج. لا بل حصل اغتيال كمال جنبلاط سنة 1977، للقضاء على القرار الوطني اللبناني المستقل بعد الدخول العسكري السوري سنة 1976، بغطاءٍ أميركي، وصمتٍ روسي، وموافقة إسرائيلية، وغضّ طرف من العرب.
ومع السقوط المتتالي للاتفاقات، أو المبادرات السياسية، خلال الحرب، وُلد اتفاق الطائف سنة 1989 بتفاهمٍ دولي – عربي كبير، وأنهى الحرب الأهلية. إلّا أن البنود المتعلقة بإلغاء الطائفية السياسية لم تحظَ يوماً بالتوافق على المباشرة بتطبيقها، وتحوّلت إلى مادة سجالية بين العلمانية الكاملة وإلغاء الطائفية السياسية، ووُضعت “الفيتوات” المتبادلة.
أصبح مجرد طرح إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية (كما نصّ الدستور)، وليس إلغاءها، بل فتحَ باب النقاش حولها، يثير ضجة وتساؤلات واتهامات متبادلة!
لقد بنَت بعض القوى السياسية “أمجادها” على الخطاب الطائفي، وتحصيل “الحقوق” المهدورة، واستعادة الموقع في صلب المعادلة السياسية، فكرّست بذلك الإنقسام، وأعادت رفع الحواجز والجدران التي أُسقطت بعد الحرب، فقط في سبيل المصلحة الفئوية الخاصة!
لا شكّ في أن الثورة أعادت خلط الأوراق السياسية، ودمّرت الكثير من البُنى الطائفية والمذهبية، ولو أن هذه الخطوة غير مكتملة بطبيعة الحال بسبب تجذّر مواقع القوى والنفوذ في المجتمع السياسي اللبناني، وتركيبته المعقّدة.
المطلوب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، السعي نحو قانون انتخابٍ لاطائفي بهدف تحقيق تغييرٍ جذري في الحياة الوطنية والسياسية والديموقراطية، أي ما يناقض تماماً طروحات “القانون الأرثوذكسي”، السيئ الذكر، والذي نادت به بعض الأطراف السياسية، وسَعت إلى فرضِه على اللبنانيين وإعادتهم الى الخلف!
ختاماً، ومع دخول لبنان عملياً في ما يسمى “الانهيار”، لا مفرّ من خطوات إصلاحيةٍ كبيرة تعيد خلط الأوراق، وتفتح المجال أمام حقبةٍ جديدة يمكن من خلالها إعادة منح الأمل والثقة للبنانيّين وللعالم أجمعين!