لمَن يعتقد ان الثورة التي قام بها شباب لبنان ضد “منظومة الفساد والإفساد” هدفت فقط الى تشكيل حكومة اختصاصيين تتولّى الانقاذ، نقول: انت مخطئ بالتأكيد ولم تدرك معنى “17 تشرين” حتى الآن.
هذه الثورة، بما صدَر عن أهلها، وبما صدَحت به الشوارع من هتافات وفن وإبداع وإرادة حرة، تريد بوعي وإصرار استعادة الدولة من سارقيها ومخرّبيها الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، وهم ليسوا من أهل السلطة والسياسة والأعمال والمصارف فحسب بل أيضاً من رجال الدين والمتاجرين بالمشاعر الطائفية.
لن أتحدث عن مسلسل الاستشارات المهزلة. فلتذهب الى الجحيم مع اي كاريكاتور يُشاوِر ويُستشار. فالشعب يعرف ان “مَن لا يملك يعطي لمن لا يستحق”. لكنني أعود الى حادثتين برزتا في اليومين الأخيرين وتعبّران عن حاجة لبنان الى “نفضة” تعيد الاعتبار الى القانون الوضعي بصفته القانون الواجب ان يسود، والى ضرورة ان يتسلح القضاء بشجاعة الثورة ليستعيد رجاله أولاً، ثم ليمارس واجبه على كل المواطنين والمؤسسات مهما تغطوا بلحاف الدين واحتموا بالطوائف أو بوهج السلاح.
أولاً، تلك المؤسسة الخيرية المسيحية (رسالة الحياة)، يجب الإحجام فوراً عن التضامن الأعمى معها. فلا غطاء لمخالف للقانون ولا لأخٍ أو كاهن متحرّش أو راهبةٍ تمتنع عن الإنصياع لطلب قضائي. وكفى مزايدات دينية ورعوية، خصوصاً انّ اتهامات سابقة بحق رجال دين في لبنان والعالم حظيت بصلواتٍ وشموع وابتهالات فيما ثبت انّها وقائع وانتهاكات. فليعلَّق عمل كلّ المشتبه بأمرهم ويُستكمل التحقيق. وتحية الى القاضية التي مارست واجبها ولم تتصرّف كالمدعي العام المالي الذي “يستدعي كأنّه لا يستدعي”، فلا يوقف سارقي المال العام، ولا يتردّد في ترك “حرامية” المصارف أحراراً في مكاتبهم والصالونات.
ثانياً، كلّ التضامن مع الزميلة ديما صادق التي كفَّرها إمام جامع في النبطية مطالباً بتقطيع أطرافها على الطريقة الداعشية. وبئس قضاء متخاذل وأجهزة أمنية جبانة لم تعتقل المحرض على القتل وتودعه السجن مهما كان شأنه وكثُر مناصروه.
ولأفراد الطرفين المتجاوزين للقانون نقول: تتصرّفون كأننا في غابة وكأنّ الحصانة الدينية الطائفية أعلى شأناً من الحقّ الانساني والقانون. خسئتم. ندرك تماماً قدرتكم على التأثير والهروب من الحساب، ومعكم سلطةٌ تافهة تابعةٌ ذليلة، مُحتقرة لحقوق الناس، لكنّنا عازمون على مقاومتكم بالكلمة والحجة وبنبض شبابنا. وهذه الثورة أكبر تعبير عن رفضنا للأمر الواقع الذي تفرضون… أنتم سلطةٌ وأحزاب ورئاسات وأشباه وزراء ونواب واستشارات وغرائز وطوائف وأجهزة وسلاح غير شرعي و”حماة العصابات”، ونحن حماة الحقّ الأصلي في دولة القانون… وسننتصر عليكم بثقافة حياةٍ، وشارعٍ منتفض، وكثيرٍ من الـ “هيلا هيلا هو” الذي يفرح قلب الانسان.