«كلما تأخّرت كلما تعثرت». يبدو انّ الحال هذه تنطبق على التعيينات القضائية المرتقبة، التي يحاول من جديد اقطاب الطوائف «حبكها»، متغاضين عن المتغيّرات والاولويات والأزمات المالية المستجدة في البلاد. فيما تبدو الطوائف المسيحية في التشكيلات الجديدة الأكثر إرباكاً، ويبدو قضاة الطائفة الأشد اعتراضاً على التشكيلات المسرّبة، وهم في السياق يتجهون نحو خطوة إعتراضية غير مسبوقة.
في هذا السياق، علمت «الجمهورية»، انّ التأخير في صدور التشكيلات القضائية يعود الى خلاف في الرأي بين اعضاء مجلس القضاء الاعلى، بعد ان تظهّر الى العلن عدم اعتماد البعض المعايير المطلوبة لتعيين قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق، وتحديداً القضاة المنتمين الى الطائفة المارونية المُفترض تشكيلهم في مراكز: مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، مكان القاضي بيتر جرمانوس، ومركز النيابة العامة في جبل لبنان مكان القاضية غادة عون، في وقت تمكّن مجلس القضاء، اقلّه حتى الساعة، من اختيار جميع القضاة المنتمين الى الطوائف الاخرى.
بحسب المصادر القضائية، يُسجل إمتعاض لدى المراجع السياسية المسيحية ولا سيما من جانب «التيار الوطني الحر»، الذي يعتبر انّه لا يجوز تعيين قضاة من الطوائف الاخرى يحظون برضى مرجعياتهم الطائفية، فيما يتمّ تقاسم مراكز القضاة المسيحيين بحسب قربهم من أعضاء مجلس القضاء، في وقت يتمّ تجاهل المعايير الموضوعية الواجب اعتمادها في تلك التشكيلات، ولا سيما انّ التشكيلات العالقة هي مراكز كان لـ«التيار الوطني» الكلمة الفصل في اختيار قضاتها في النيابات العامة.
كذلك وفق المصادر، يُسجل امتعاض القضاة الموارنة ذوو الكفاءة الذين يحظون بدرجات قضائية عالية وغير المحسوبين على اية مرجعيات سياسية، بعدما اتضح انّه تمّ استبعادهم بعد تسريب أسماء لقضاة رسى عليهم خيار التعيين في مراكز مفوضية الحكومة في المحكمة العسكرية كما في النيابة العامة. وفي معلومات خاصة لـ«الجمهورية»، يتجّه هؤلاء القضاة الى تنفيذ خطوة إعتراضية باتجاه المراجع الطائفية الروحية والقضائية والسياسية كافة.
وفي السياق، يشير مرجع قضائي كبير، الى انّها المرة الاولى التي يقوم فيها مجلس القضاء بإعداد تشكيلات قضائية في ظلّ إجماع القوى السياسية في لبنان على وجوب تحقيق استقلالية القضاء، بعد ان كانت مجالس القضاء السابقة تعدّ التشكيلات القضائية، آخذة بمطالب السلطة السياسية ولا سيما في القضاء الجزائي.
إلّا انّ الخوف من هذا التغيير وفق المرجع ذاته، قد لا يعطي نتائجه المرجوة بنقل قرار التشكيلات من مراجع سياسية في السلطة الى مراجع قضائية في مجلس القضاء مرتبطة بالسلطة ومعيّنة من قِبلها. إذ لا بدّ من وضع معايير موضوعية للتشكيلات تأخذ في الاعتبار الكفاءة والدرجة القضائية، وأن يتمّ تحديد منصب القاضي بناءً لتلك المعايير.
ويشير المرجع، الى انّ ما يتمّ تسريبه عن تعيين قاضيين في مركز مفوضية الحكومة لدى المحكمة العسكرية والنائب العام في جبل لبنان، لا يتناسب مع تلك المعايير، باعتبار انّ هناك قضاة يتفوقون بالدرجات القضائية على القاضيين كلود غانم وايلي حلو، كما انّ لهؤلاء القضاة المستبعدين خبرة متقدّمة في القضاء الجزائي تمّ التغاضي عنها…
وفي نظرة سريعة على جدول القضاة الموارنة الذين تتوفر فيهم الدرجة القضائية العالية والخبرة في مجال القضاء الجزائي وهم غير محسوبين على اي مرجعيات سياسية، نجد عدداً من القضاة مؤهلّين لتولّي هذين المركزين وهم: فادي صوان، بيار فرنسيس، فادي عقيقي، فادي عنيسي، غسان خوري، وداني شبلي. وتتساءل المراجع المعنية نفسها، كيف سيبرر مجلس القضاء تعيين القاضيين حلو وغانم في هذه المراكز؟
الأرثوذكس
ما ينطبق على القضاة الموارنة ينطبق على الطوائف الاخرى، في ظل الحديث عن تغيير في مركز قاضي التحقيق الاول الارثوذكسي في جبل لبنان نقولا منصور، واستبداله بالقاضي رجا حاموش او بالقاضي زياد ابي حيدر أو آخرين، بالرغم من وجود قضاة ارثوذكس يستحقون تولّي هذا المركز استناداً الى درجاتهم القضائية الأعلى والى كفاءتهم، على سبيل المثال: القاضي نسيب ايليا والقاضية ندى اسمر.
«القوات اللبنانية»
ومن الجدير التذكير باستبعاد حزب «القوات اللبنانية» عن التشكيلات السابقة وكذلك عدم تدخّلها في التشكيلات اللاحقة، في وقت يُسجّل لها وعليها موقف المراقب والمترقب. ولكن اللافت في التشكيلات الجديدة، طرح اسم القاضي فادي عنيسي نائباً عاماً لبعبدا، كذلك يتمّ طرح نقله من رئاسة محكمة استئناف الشمال الى رئاسة محكمة استئناف في جبل لبنان مكان القاضية غادة عون.
علماً انّ عنيسي كان القاضي الذي أصدر القرار الظني لمصلحة حزب «القوات اللبنانية» في دعوى المؤسسة اللبنانية للارسال lbc، وذلك في عهد وزير العدل آنذاك ابراهيم نجار.
الطائفة الشيعية جنوباً وبقاعاً
بالنسبة الى المراكز الشيعية وتحديداً مراكز النيابة العامة في الجنوب، تقول المعلومات انّ القرار قد اتُخذ باستبدال القاضي رهيف رمضان بقاضٍ يَطرح عليه الجسم القضائي في كواليس قصر العدل نقاط استفهام! وهو القاضي زاهر حمادة. في وقت تستغرب أوساط قضائية استمرار قرار توقيف المتهم هنيبعل القذافي حتى اليوم من قِبل القاضي حمادة، ولا سيما بعد نحو مرور 5 سنوات على الملف، وهو وفق المصادر عينها، أي القاضي حمادة، لم يتّخذ قراراً حتى الآن في الإفراج عنه ولا في تحويل ملف القذافي الى مجلس العدل الذي بدوره ينتظر قرار الإحالة من قِبل القاضي حمادة.
وتستغرب الاوساط طرح اسم القاضي حمادة في هذه المرحلة كمدعٍ عام للجنوب مكان القاضي رهيف رمضان. إلّا أنّ مصادر قضائية تشير الى عدم تسجيل أي إعتراض من قِبل القضاة الشيعة، بالرغم من انّ الجداول القضائية تلحظ اسماء قضاة شيعة اعلى تراتبية بالدرجات القضائية وحتى بالكفاءة من القاضي حمادة، مثل القاضي صبوح سليمان وغيره.
تجدر الاشارة، انّ اسم القاضي حمادة يتمّ طرحه ايضاً كقاضي تحقيق اول في البقاع، مكان القاضي عماد الزين الذي طُرد من القضاء، اذا ما تعرقل تعيينه في الجنوب مكان رمضان.
الحريرية القضائية!
وسط هذه الحرتقات الطائفية، يتساءل المراقبون عن التدخّل السنّي في التعيينات، ولا سيما من قِبل رئيس الحكومة حسان دياب، الجديد على الساحة السياسية السنّية والقضائية. فتكشف المصادر، انّه لم يُسجل حتى الساعة اي تدخّل لدياب في التشكيلات القضائية، لافتة الى أنّ ليس لدياب عملياً أي فريق سنّي في الجسم القضائي، وانّ الفريق القضائي السنّي الكبير ما زال محسوباً بمعظمه على الرئيس السابق سعد الحريري، بخاصة الذين استلموا مراكزهم في التشكيلات السابقة. اذ قلّما نجد قاضياً سنّياً غير محسوب على الحريري، فيما تبدو التشكيلات القضائية المقبلة تحفظ للحريري مواقعه كمثلاً إستمرار القاضي هاني الحجار في مهامه في المحكمة العسكرية، وهو مستشار رئيس الحكومة السابق. كذلك يستمر قضاة التحقيق السنّة والمحامون العامون في بيروت في مهامهم كما في كافة المحافظات. وبذلك تبدو «الحريرية القضائية» غير متأثرة حتى الساعة بالعوامل الحكومية السنّية المستجدة.
والجدير ذكره، انّ قاضي التحقيق الاول في بيروت القاضي سامي صدقي، الذي سيُعيَّن مكان القاضي غسان عويدات، وهو ابن بيروت، ليس ضد الحريري، كما انّه لا يُحتسب على دياب.
الدروز لجنبلاط
«أُعطي لجنبلاط ما لم يعطَ لغيره»، وفق تعبير المصادر القضائية التي أضافت، انّ ليس هناك اي اعتراض من قِبل رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على التشكيلات ولا سيما الدرزية منها، بل أُعطي ما كان يطالب به وخصوصاً من خلال تعيين القاضية نجاة ابو شقرا كقاضي تحقيق اول عسكري، وهو مطلب جنبلاط حتى قبل 17 تشرين، والأمر ينسحب على المراكز الدرزية كافة التي تتوافق مع رئيس «الاشتراكي»، في وقت يُسجل إعتراض للقاضي عماد سعيد الذي تمّ استبعاده، وهو يخصّ النائب طلال ارسلان. كذلك سُجّل تشكيك عبر وسائل الاعلام من الوزير السابق وئام وهاب على آلية التشكيلات الجديدة، باتهام اعضاء مجلس القضاء بأنّهم «يتوجّهون شمالاً ويميناً لاسترضاء الاطراف السياسية قبل التشكيلات النهائية».
تبقى المراكز التي تمّ الاتفاق شبه النهائي عليها في مجلس القضاء وفق معلومات «الجمهورية»، وهي تشمل تعيين القاضي ايمن عويدات رئيساً أول لمحاكم الجنوب، القاضي كلنار سماحة رئيساً أول لمحاكم النبطية، والقاضي غادة ابو كروم رئيساً أول لمحاكم البقاع. والجدير ذكره انّه يتمّ تداول اسمي القاضيين غادة عون أو حبيب رزق الله للرئاسة الاولى لمحاكم بيروت.
لنادي القضاة حصة
وتفيد المعلومات، أنّ نادي القضاة أيضاً قد ينال حصة من خلال تعيين رئيسته القاضية اماني سلامة رئيسة لمحكمة استئناف في جبل لبنان، بالرغم من توفر قضاة آخرين ينتمون للطائفة الكاثوليكية، وهم يتساوون مع القاضية سلامة بالدرجات القضائية وحتى منهم يسبقونها بدرجات أعلى…ويأتي تعيين سلامة ونقلها من قاضي تحقيق في البقاع الى رئاسة محكمة استئناف استناداً الى جدارتها وكذلك ضمن منطق إرضاء المعترضين ومنعاً لاحتجاج نادي القضاة.