من اليوم وحتى تتسلم الادارة الاميركية الجديدة، لن يوفر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة لاستدراج “حزب الله” وإيران الى مواجهة، تدفع الرئيس الاميركي الحالي باتجاه إتخاذ قرارات تقطع الطريق على اي تقارب اميركي – ايراني او اوروبي – ايراني ممكن، لتكون عملية توريط للرئيس الاميركي الجديد جو بايدن تجعله مجبراً على دخول المواجهة بدلاً من اي خطوات نحو التسوية، ولا سيما مع اقتراب استلام الادارة الجديدة مهامها. خوف نتنياهو كبير من تغيير في السياسة الاميركية قد ينعكس على وضعه البالغ الحساسية في اسرائيل.
ولبنان الخاصرة الاكثر قابلية للتجاذب سيكون عرضة للضغط انطلاقاً من عنوانين اثنين: الاقتصاد والأمن. بات الإنهيار الاقتصادي وشيكاً فيما المشاكل الامنية تتوسع دائرتها، ومع قرار رفع الدعم المرتقب فالمتوقع ان تشهد البلاد تحركات شعبية ليس مستبعداً ان تجر معها اهتزازات أمنية، هذا فضلاً عن التهديدات الاسرائيلية المتكررة والتحليق المكثف وشبه اليومي للطيران الاسرائيلي ووقف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.
لا يبدو الاميركي مهادناً في الفترة الانتقالية ما بين ادارتين، ثمة وجهة نظر تقول ان لحظة التفجير باتت بيد الاميركي الذي حين يرى ان الاوضاع تدهورت الى حدها الاقصى، سيكون جاهزاً للضغط على الزر ونقل البلد الى مرحلة دقيقة من تاريخه. عرف الاميركي كيف يقنع الخليج بالانسحاب من لبنان تدريجياً حتى بات بلداً عربياً معزولاً. ويواصل ضغطه على الاتحاد الاوروبي في هذا الاتجاه ويتوقع اصحاب وجهة النظر هذه ان يتفاقم التشدد ازاء “حزب الله”، والحدّ من توسع نفوذه السياسي والعسكري في لبنان والمنطقة.
المطلوب احراج “حزب الله” اكثر اقتصادياً تجاه مختلف الطوائف وتظهيره على انه سبب في الانهيار الشامل الذي يتجه اليه لبنان. ولم تتوان الادارة الاميركية الحالية عن توجيه تحذيرات شديدة اللهجة لشخصيات ومرجعيات نيابية وحزبية بارزة بأن تمثيل “حزب الله” في الحكومة ممنوع، ولا حتى توسع دوره في الحياة السياسية في محاولة لعزله عنها. ومثل هذه التحذيرات ليست جديدة وانما المشكلة هي بمن ارتضى ان يرضخ للعقوبات الاميركية ولا بد له أن يعيد حساباته، وهذا قد يكون سبباً رئيسياً في تأخير تشكيل الحكومة. إذ لا يمكن لاحد ان يقيّد “حزب الله” بمعايير او يطلب منه عدم التمثل في الحكومة. لغاية اليوم لم يطلب رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من “حزب الله” مثل هذا الطلب وقد لا يكون بوارد مثل هذا الطلب وهو العالم بتداعياته.
في المواجهة مع “حزب الله” ثمة أمر بالغ الأهمية لم يفهمه المسؤولون الاميركيون بعد وهو أنّ التدهور الاقتصادي إنما يودي بالبلد نحو الخراب، فيما سيعرف “حزب الله” كيف يحيّد بيئته عن أية تأثيرات محتملة وهو يجهد في سبيل ذلك بالفعل. المتأذي من العقوبات هو المجتمع اللبناني ككل وليس بيئة “حزب الله”، اما التحريض المتوقع ان ترتفع وتيرته لا سيما في هذه الفترة والعقوبات المرتقبة، فلن تؤدي الا الى تعقيد الاوضاع. نتيجة استخلصها الفرنسيون الذين قالوا صراحة ان هذه العقوبات عقدت المشهد السياسي في لبنان وعطلت المبادرة الفرنسية. مرة جديدة تصر فرنسا على العودة الى لبنان وانجاح مبادرتها. لم تقطع تواصلها مع عدد محدود من القوى السياسية الاساسية في لبنان ومن بينهم “حزب الله”، الكل بانتظار ماكرون وزيارته الى لبنان والتي ستكون مسبوقة بتزخيم حركة الديبلوماسية الفرنسية. لكن ثمة من يرى ان على الفرنسيين ان يتعاطوا هذه المرة بواقعية مع المشهد اللبناني الداخلي وبتوازن بين كل الاطراف، مستفيدين من التجارب السابقة وبخاصة تجربة مصطفى اديب. من شروط نجاح اية مبادرة التوازن في الطرح السياسي والواقعية. ومن هذا المنطلق يمكن التعويل على الدور الفرنسي في لبنان.
وفي حين يتخوف بعض المحللين من ان الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن ولو تسلم ولايته فلن يكون لبنان في سلم اولوياته قبل ستة اشهر كأقرب تقدير، لذا فالجهود منصبة على تمرير المرحلة الرمادية وما سيكون عليه مصير المفاوضات الاميركية مع ايران، بينما يبدي آخرون ارتياحهم الى نقطة اساسية وجوهرية وهي ان دونالد ترامب راحل ومراكز القوى لا تزال على حالها، ومخطئ من يعتقد ان “حزب الله” سيتساهل في المعركة ضده. أقله هذا ما اثبتته التجارب وصولاً إلى اليوم.