أعادت جريمة قتل منسق «القوات اللبنانية» في منطقة جبيل باسكال سليمان اللبنانيين إلى كوابيس الحرب الأهلية مع اقتراب ذكرى اندلاعها في 13 نيسان 1975. فالروايات المحبوكة منذ لحظة حصول الاختطاف وحتى لحظة الإعلان عن مقتل سليمان ووجود جثته في الأراضي السورية، تؤكد بأنّ للجريمة مروحة أهداف تترك الساحة مفتوحة أمام احتمالات الفتنة.
وما صدر عن الجهات الأمنية لم يؤدِ إلى قطع الطريق على هذه الاحتمالات، فالمعلومات المتضاربة بدت وكأنها تساهم في تكريس الالتباس، وكأن المطلوب بين الفعل وردود الفعل رقص شياطين الفتنة على إيقاع سلاح غير شرعي ووجود سوري يفوق قدرة لبنان على الاحتمال، وحدود فالتة تجتازها عصابات منظمة ومحمية تنسق مع مصادري السيادة من دون أي عوائق أو حسابات في غياب نظام أمني متماسك يحمي الحدود.
لذا لم تُؤت النداءات لضبط النفس مرادها، ربما لأن المفروض كان ضبط الأمن للحؤول دون حصول الجريمة، وليس ترك الخاطفين يتابعون مخططهم بتفاصيله… ومن ثم إدانة ردود الفعل بعد ترك عدالة الشارع تنفجر لأن القانون مفقود حتى إشعار آخر، ولأن المنظومة الأمنية إلى انهيار، وعاجزة عن قطع الطريق على من يخطط لخراب لبنان المستباح والممزق بين وحشية إسرائيلية واحتلال إيراني لقراره الوطني.
لذا تصبح مسؤولية المستهدفين من الفلتان، أكبر، وتتطلب حكمة لعدم الانجرار إلى ما يريده من يستهدفهم، لذا لا يمكن التصدي لهذه الفتنة إلا بعدم الانزلاق إلى ضمانات رديفة من خلال المناداة بالأمن الذاتي، الذي لا يستطيع أن يلجم الفلتان الحاصل، بل يفاقمه، لأن لا بديل عن ضمانة الدولة الضعيفة إلا الدولة القادرة على كشف ملابسات هذه الجريمة وأبعادها، سياسية كانت أم غير ذلك، وإن بدا أنّ الثقة مفقودة بقدرة الأجهزة على كشف الملابسات، استناداً إلى السوابق، من اغتيال لقمان سليم إلى جو بجاني إلى الياس الحصروني… إلى كل الجرائم السابقة، التي قضت على أمان كل اللبنانيين، حيث لا يزال تجهيل الفاعلين سمتها الوحيدة. بالتالي يبدو لزوم ما لا يلزم قرار وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي عقد اجتماع استثنائي لمجلس الأمن الداخلي المركزي، لمناقشة الأوضاع الأمنية إثر قتل سليمان. فقد سبق سيف الفتنة كل الكلام الممكن أن يصدر عن معالي الوزير.
ولا حاجة إلى التوضيح أن عصابات الخطف والقتل وتهريب المخدرات والسلع بين سوريا ولبنان تجمع شركاء نافذين على ضفتي الحدود وتعمل تحت أعين الأجهزة الأمنية. كما أن مشكلة انفلاش النزوح السوري بعشوائيته الحالية هي وجه من وجوه تَحلُّل الدولة وعلامة من علامات ضعفها المتمادي. فكل ما يحصل يؤكد أن السلاح الخارج عن الدولة، لا يمكن أن يشكل صمام أمان للسلم الأهلي، كما بيّنت غزوتا بيروت والجبل، وكذلك واقعة عين الرمانة واعتداءات شويا وخلدة وعين إبل ورميش…
ولعل السبيل الوحيد لإعادة تصويب الأمور يكون باعتبار جريمة قتل سليمان قضية وطنية، وليس قواتية أو مسيحية، فهذا التصنيف من شأنه أن يعيدنا إلى فتيل تفجير الحرب الأهلية بين المسيحيين والفلسطينيين، ومن ثم جر لبنان كله إلى الموت. من هنا تبدو ملغومة ومتعمدة حملات التجييش ضد السوريين بعنصرية، كما حصل مع الفلسطينيين. كذلك تبدو بعيدة عن البراءة حملات التجييش من خلال الكلام عن أن «القوات والكتائب أصحاب فتن ويبحثون عن الحرب الأهلية». مرة جديدة، ولا يمكن إرساء حلول إلا من خلال استرداد دولة الحق وسيادة القانون. فالمطلوب ضبط الأمن قبل ضبط النفس، وإلا نحن على أبواب أحداث شبيهة بما حصل عام 1975 في 13 نيسان المشؤوم.