Site icon IMLebanon

الإستقرار الأمني والنقدي… إلتزام أميركي

تدفع واشنطن في اتجاه إطلاق مرحلة المفاوضات الجدّية حول سوريا، وهي تعتبر أنّ النجاح في سوريا سيؤسّس لحقبة شرق أوسطية جديدة، ذلك أنّ المرحلة التالية ستكون فتح ملف التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية والتي بدأت الدوائر الأميركية التحضير لها جيداً.

بالنسبة إلى سوريا تبدو الورقة الرابحة التي تستند اليها واشنطن هي الدور الروسي. فالتطورات الحربية الأخيرة والتي أدّت الى استقدام موسكو عدداُ من أسلحتها التي تُصنّف بأنها استراتيجية وتُستخدم للمرة الأولى خارج الأراضي الروسية، هذه التطورات ساعدت موسكو على الإمساك بقوة أكبر بكثير من مفاصل الحرب الدائرة وجعلت منها صاحبة الكلمة الأولى في الفريق الداعم للرئيس السوري بشار الأسد. صحيح أنّ التطورات الميدانية كانت تستلزم التقاط مزيد من الأوراق، لكنّ ذلك قابل للحصول في فترات خرق الهدنة التي ستحصل حتماً بين الحين والآخر.

الواضح أنّ واشنطن تتمسك بالشراكة «الناجحة» مع موسكو في ملف الشرق الأوسط انطلاقاً من الملف السوري. والواضح أيضاً أنّ الفريق المناهض للأسد بات أقلّ تعنّتاً حيال مقاربته للحلول المطروحة، ما يعني أنّ ظروف انطلاق المفاوضات أصبحت أفضل من السابق.

في وقت تبدو الحملات الانتخابية للرئاسة الأميركية عاملاً مساعداً حيث تظهر ميول الشارع الأميركي لوصول شخصيات تُعتبر راديكالية.

أما على مستوى التسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية، فتبدو الظروف أقلّ صعوبة من السابق، خصوصاً أنّ النزاع الخليجي – الإيراني قرّب من مسافة بعض الدول العربية مع إسرائيل. أضف الى ذلك الحركة التي باشر فيها رموز من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية تجاه الحكومة الإسرائيلية لدفعها إلى اعتماد خيار التسوية السياسية مع الفلسطينيين.

ولا حاجة للتذكير أيضاً بأنّ القرار بإنهاء «داعش» وأخواتها بات أكثر جدّية من السابق، خصوصاً من ناحية متطلبات الأمن العالمي والتهديد الجدي الذي بات يطاول الأمن الأوروبي.

ففي مدينة سرت الليبية، تؤكد المعلومات أنّ تنظيم «داعش» نجح في تشييد بنية تحتية له وأنّه يعمل الآن وفق هدفين: الأول التوجّه ناحية منابع النفط حيث يعمل على تأمين موارده المالية من خلال تهريب النازحين الى أوروبا.

والثاني فتح أبواب التجنيد في الداخل الليبي والبلدان المحيطة، وخصوصاً تونس. طبعاً كلّ ذلك تحضيراً لضرب قلب أوروبا. وهذا ما استدعى مثلاً قيام الطائرات الأميركية باغتيال أحد أبرز مسؤولي التنظيم هناك على رغم إدراك الجميع بأنّ هذا الأسلوب غيرُ كاف أبداً.

وسط كلّ هذه «الورشة» لا وجود جدياً للبنان في محافل القرار. لكن هذا لا يعني حتماً أنّ لبنان متروك بكامله لقدره الصعب، ذلك أنّ التوجيهات التي ترسلها واشنطن في استمرار لبعثتها في لبنان تتركّز على نقطتين أساسيتين:

1- الاستقرار الأمني بكلّ نواحيه، ومن هنا إقتناع واشنطن بالدور المهم للجيش اللبناني في هذا الإطار، إضافة إلى الأجهزة الامنية التي أثبتت فعاليتها. ومن هنا أبلغت واشنطن الى قيادة الجيش استعدادها الدائم والمفتوح لدعم الجيش بكلِّ ما يحتاجه، بصرف النظر عن القدرات المالية الصعبة التي تعاني منها الحكومة اللبنانية.

وفيما يُبدي مسؤولون أميركيون انزعاجهم من القرار السعودي بإلغاء الدعم المالي الذي كان قد أُقرّ سابقاً، فإنّ واشنطن ستتولّى تزويد الجيش بعض الأسلحة التي تراها ضرورية لقيامه بواجباته، إضافة الى أنها أبلغت الى لبنان أنّ مخازن الذخائر مفتوحة للجيش اللبناني في حال شعر بالحاجة الماسة لذلك عند نشوب قتال أو حصول مواجهة.

2- الاستقرار النقدي والمالي، ومعه الاستقرار المصرفي والاقتصادي في حدّه الأدنى، ما يعني أنّ واشنطن مستعدة للتحرك لحماية الاستقرار المالي للبنان. أما لجهة ما حصل حول «حزب الله» أخيراً، فإنّ المسؤولين الأميركيين اعتبروا أنّ هذه التساؤلات مشروعة ولو أنّ الضجة التي حصلت في لبنان كانت أكبر من حجم ما هو مطروح خصوصاً أنه ليس بجديد.

ويُفهم من هذا الكلام أنّ الضغط قد يستمرّ ولكن تحت سقف عدم هز الاستقرار المالي للبنان. صحيح أنّ «الاهتمام» الأميركي (إذا جاز استعمال كلمة اهتمام) محصور بهذين الاستقرارين في المرحلة الراهنة، لكن، هنا تعود أهمية روسيا ودورها الجديد والأساس.

ذلك أنّ الحدّ من تأثير «حزب الله» الكبير في الملف السوري وخصوصاً في الملف الفلسطيني لاحقاً، يُعتبر مطلباً أميركياً ملحّاً للدخول في المفاوضات.

وأنّ ذلك لا يمكن حصوله إلّا بعد إنجاز التسوية المطلوبة في لبنان ما يؤدّي الى عدم الدمج بين الساحة اللبنانية والساحتين السورية والفلسطينية، وهو ما كان يطمح إليه «حزب الله» بحسب ما تعتقده أوساط ديبلوماسية أوروبية.

وقد يكون هذا العامل هو الذي سيدفع في اتجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني، ولو أنّ ذلك غيرُ متاح في المرحلة الحالية. تسوية جانبية قد تتطلب تواصلاً أميركياً مع «حزب الله».