Site icon IMLebanon

الأمن… قبل الإنتخابات وبعدها

 

قنابل موقوتة قد تهدّد حصول الإنتخابات النيابية المقبلة، كما وتتثاقل خطورة بعضها في حالات تطور الأوضاع إلى درجة المصادمات الإقليمية والدولية لتصب حممها على رؤوس من تبقى من الشعب السوري المقتول والمسجون والمشرّد، وعلى ما قد تستلزمه معركة من هذا النوع، من مطاولة الأراضي اللبنانية والشعب اللبناني وضمهما إلى مسلسل نكبات المنطقة.

على الصعيد اللبناني، يكمن خطر محتمل، في مراكزه الأساسية في البقاع والشمال، خاصة في طرابلس وصيدا، حيث المطالبات المتصاعدة، بإصدار عفو عام عن المحكومين، وخاصة منهم أولئك الموقوفين منذ سنوات دون أن يصدر بحقهم حتى الآن أي حكم بالإدانة، بل دونما أي تحريك قضائي لقضاياهم علماً بأن عدداً كبيراً منهم قد صدرت بحقهم مذكرات توقيف في قضايا مخالفات وجنح وجنايات غير ملحقة بأحكام، وهؤلاء يعيشون منذ سنوات متهربين من ملاحقة السلطات الأمنية لهم، وبعضهم أوقفوا فعلا منذ سنوات، وبتُهمٍ بعضها خطير، وأكثرها أقل خطورة وقد انقضت مدة التوقيف التي تفرضها التهمة دون أن يبت بها قضائيا، الأمر الذي يتركهم معلقين في غياهب الملاحقة والتعسف، الأمر الذي يسبب في مطلق الأحوال مآسي إجتماعية حادة، تضاف إلى سلسلة المآسي التي أخترقت هذا البلد من أكثر من زاوية وأكثر من مطلب، وأغلبها يلح في المطالبة بحقوق معيشية تفرضها له حقوق قانونية وإدارية لم تتم مراعاة الأصول بصددها، ولم تأخذ بعين الإعتبار الحاجات المعيشية والتربوية والصحية الملحة التي باتت تثقل أعباؤها على المواطنين، وقد توسعت حركات المطالبين والمحتجين والمهددين بالإضراب والمتجاوز بعضهم للأصول الديمقراطية السليمة والمقبولة، الأمر الذي يضاعف من حدة التوترات المتزايدة.

أما عن المطالبات المتعلقة بإصدار قرارات العفو العام، فإن أقل ما يقتضي القيام به من قبل السلطات المسؤولة بصددها، يرتبط بلجم حالات الظلم عن الأبرياء «وصغار» المتهمين والصادرة بحقهم أحكام انقضت المدّة القصوى لعقوبتها، وهذا ما يستدعي تفعيل العجلة القضائية لدى المحاكم المختصة بما يزيل الإلتباس والظلم عن المطلوبين والأذى عن المتهمين وعن عائلاتهم وأطفالهم ويعيدهم إلى حلقات الحياة الطبيعية التي توفر على البلاد، مزيدا من الاحتقان الإجتماعي واحتمالات التدهور الأمني إلى حدود تعيدنا إلى مواقع الفلتان، مع أننا نكاد ألاّ نصدق النجاحات الأمنية التي تحصل بشكل كثيف بواسطة رجال الأمن والمؤسسات الأمنية كافة، مع تأكيدنا على وجوب تنقية أجوائها وخباياها من الوضعيات الناشزة والمؤذية، على نحو ما طفت وقائعه وأصداؤه على ساحة الأحداث بعد تفلت وضعية المظالم التي لحقت بالفنان زياد عيتاني وسواه ممن طاولتهم تلك المظالم، ومن غريب الصدف، أن ما ذكرناه من مطالب، تحصل والسلك القضائي الذي يعوّل عليه في لجم التصرفات الشاذة، يعلي الصوت، وقد بات منذ مدة على أهبة إعلان الإعتكاف لرفع المظالم اللاحقة به هو أيضا، الأمر الذي يزيد من حدّة الإشكالات والمشاكل ومن عثرات الحياة العامة، مما يضعنا جميعا تحت رحمة زوال أو إنخفاض درجة الحماية القضائية لدى مجمل المواطنين.

وها هي حركة المتهمين في البقاع وحركة المتهمين والموقوفين الإسلاميين في الشمال وفي صيدا، يزداد إطارها وكثافة تحركاتها وحدّة المطالب بشأنها، وتزداد معها الأضرار المحتملة التي قد تعيدنا إلى أيام من البؤس الأمني الذي يقتضي على المسؤولين معالجته بكثير من الجدية والموضوعية واستباق الأخطار قبل وقوعها، خاصة وأنه بات يتناهى إلى الأسماع أن المعترضين من هؤلاء سيتعرضون لمراكز أقلام الإقتراع لتعطيل المسار الطبيعي للحركة الإنتخابية قبل حصول الإنتخابات، علما بأن هناك من يقترح تأجيل المواجهات العنيفة التي يدخلها منذ الآن بعض الإضطراب في استعداداتها وفي تشكيل لوائحها وفي تفسير خبايا وخفايا قانونيتها المعتمد لهذه الدورة والمتمثلة بإجتهادات عشوائية لا مثيل لها في العالم الديمقراطي الحديث وفي تخفّيها بمبدأ النسبية المطلوب والمرغوب، لتمرر من خلاله أنواع وأشكال القوانين الرجراجة كافة، ولنكون في النهاية، كما يرى كثيرون، أمام قانون انتخابي هجين في تركيباته وألاعبيه ذات الأبعاد الطائفية والمذهبية والمناطقية، ولتبدأ منذ الآن أحاديث تبديله وتعديله بما يحلحل عُقَدَهُ والتي ينظر إليها وكأنها جاءت على مفاهيم ومقاييس محددة سلفا، مستهدفة عن سابق تصور وتصميم إيصال جهات وزعماء معينين ومعروفين، إلى مواقع السلطة ومكامن التشريع والتحكم ببوصلة الحياة العامة السليمة في هذا البلد، وقلب الوضع التشريعي إلى ما يتماشى مع مطالب وطموحات فئة من اللبنانيين.

ليس أخطر على الحياة الطبيعية والأمن الإجتماعي، أكثر من شعور المواطن بالظلم، ومن التحكم بالحريات العامة، والزج بالمواطنين في خبايا السجون، مضيفين إلى كل ما ذكر، تلك الفاجعة التي ألمت بالمواطن زياد عيتاني، مشيرة إلى خلل خطير في بعض القرارات الأمنية التي تتسرب من خباياها وخفاياها وتجاوزها للقانون وللمباديء الإنسانية، ولخروجها عن المسيرة الطبيعية للأمن والعدالة التي يعتبر التحكم بهما في طليعة مسؤوليات مؤسسات الدولة، بما يستدعي التنبه الشديد وبث الحياة والضمير الحي والشعور الإنساني لدى تلك المؤسسات، وحسناً ما حصل متمثلاً في أن نرى السجين المظلوم وقد أصبح حرّاً طليقاً والمتهم بالتحكم بمفاتيح الظلم، قابعا في غياهب السجن بانتظار حكم العدالة القاطع وأيقاظ وعي السلطة في كل مكان تهتز فيه سلامتها ومسيرتها السوّية.