IMLebanon

هل هناك مخاطر اهتزاز أمني؟

 

 

يُدرك اللبنانيون أنهم في المدى القريب، أي في الأشهر القليلة الباقية من ولاية الرئيس ميشال عون، سيبقون في جهنم، بل سيتوغلون في أعماقها. لكنهم جميعاً يتجنّبون طرح السؤال إلا همساً، وداخل الغرف المقفلة: هل صحيح ما يتردَّد عن أنّ الانهيار سيقود إلى اهتزاز أمني؟ وهل هناك مصلحة لأحد في استخدام العامل الأمني في اللعبة السياسية؟

يجزم المتابعون أنّ أيّاً من الطرفين المُتنازعين على الساحة اللبنانية، لا يريد زعزعة الاستقرار الداخلي. فمحور واشنطن – الرياض يعتقد أن «حزب الله» متفوِّق بقدراته الأمنية والعسكرية، وأنه الأقوى في أي مواجهة أمنية أو عسكرية بينه وبين القوى الأخرى في لبنان.

ولذلك، يُفضِّل الأميركيون وحلفاؤهم الغربيون والعرب ممارسة الضغوط السياسية والمالية والاقتصادية على الدولة اللبنانية و«الحزب» وحلفائه، ويحاذرون الوصول بضغوطهم إلى حدّ زعزعة الأمن. وهذا النموذج هو الذي اعتمده هؤلاء في 17 تشرين الأول 2019، إذ واصلوا دعم «الثورة» بكل الوسائل، إلى أن بدأوا يتلمّسون زعزعة الاستقرار.

في المقابل، محور طهران يُحاذر انهيار منظومة الاستقرار في لبنان، ما دام هو رأسها وقيادتها. لكنّ «حزب الله» يسمح لنفسه بهامش معيَّن من اللعب بالورقة الأمنية، عندما يجد نفسه محشوراً في السياسة. وهذا ما فعله هو أيضاً بعد 17 تشرين، عندما سمح بأن يقوم مناصرو «الثنائي» بتنظيم «شارع ضد شارع»، أي إنه لَوَّح باحتمال حصول تَصادم أو فتنة إذا استمرت الانتفاضة.

طبعاً، يدرك «الحزب» أنّ خصومه يخشون المواجهة الأمنية لاختلال ميزان القوى بينهم وبينه، وبسبب خوفهم من الحرب. ولذلك، هو يكتفي بالتلويح باستخدام القوة، وتحديداً هو يُهوِّل مراراً باستعادة تجربة 7 أيار 2008. وغالباً ما أثمَر ذلك.

من هذا المنطلق، يعيش لبنان منذ سنوات على حافة دقيقة جداً بين استقرار يحرص عليه الجميع وفتنة قد تفلت من حيث لا يريدها أحد. وثمّة تجربتان معبِّرتان في الأشهر الأخيرة: اشتباكات خلدة المذهبية في آب 2021، وصدامات الطيونة الطائفية في تشرين الأول 2021.

في النموذجين، لم يكن أي طَرف يرغب في بلوغ الفتنة: لا «حزب الله» ولا عشائر السنّة القريبون من «المستقبل» في خلدة ولا البيئة المسيحية و»القواتية» في عين الرمانة. ومع ذلك، أُسيلت الدماء واستثيرت الهواجس المذهبية والطائفية الدفينة «تحت قشرة رقيقة».

في أوساط «الحزب» يُقال: كان هناك مناخ من التنسيق بين الخصوم في خلدة والطيونة لاستفزازنا، ومع ذلك، لم نردّ حرصاً على السلم الأهلي ولعدم إتاحة الفرصة للمؤامرة. وفي المقابل، يقول خصوم «الحزب»: لقد أراد بالترهيب إخضاعنا سياسياً، فاضطرت البيئات الشعبية، سواء في خلدة أو في عين الرمانة، إلى الردّ على عملية الترهيب والإخضاع، وستردّ دائماً.

بين المنطقين، الخطر قائم. وقد يكون من حسن الأقدار عدم وجود جهات أخرى «على الخط»، في خلدة أو في الطيونة، مُستفيدة من تزكية النار. ولو صودِف وجودها لوقعت الكارثة. والشرارة تندلع في لبنان، من مكان معين، وتتسع كبقعة الزيت. وبوسطة عين الرمانة أشعلت حروباً لم تنتهِ حتى اليوم، أي منذ ما يقارب نصف قرن.

هل من المبالغة الحديث عن هواجس أمنية اليوم، فيما الصراع يبدو سياسياً- اقتصادياً؟

بعض المتابعين يخشون أن يكون المأزق السياسي- الاقتصادي هو نفسه الباعِث الأساسي لزعزعة الأمن. والاحتقان الاجتماعي سيتنامى في شكل هائل في الأشهر المقبلة، ما يثير المخاوف من صدمات.

لو نجحت حركة 17 تشرين، ولو التزمت حكومتا حسّان دياب ونجيب ميقاتي نهجاً إصلاحياً، لجرى تنفيس الاحتقان الاجتماعي وتراجعت هواجس الفتنة. لكن قوى السلطة لجأت إلى قمع الحراك في الشارع ثم قمع الإصلاح داخل المؤسسات. وفي المجلس النيابي الحالي، وعلى رغم وصول الوجوه الجديدة، هناك اقتناع بأنّ قوى السلطة ستتصدى للإصلاح وتُحبط أي تغيير.

إذاً، عندما تتمادى قوى السلطة في القمع، ويفشل التغيير من داخل المؤسسات، يكون بديهياً أن ينطلق هذا التغيير من خارجها، أي أن يُستعاد الحراك في الشارع. وسيركب السياسيون الموجة، ويرتفع شارع مقابل شارع.

وهنا يبرز الخطر الدائم والنائم: أن يتحوَّل الصراع من اجتماعي مطلبي إلى مذهبي وطائفي. وليس ذلك مستغرباً ما دامت القوى السياسية هي نفسها قوى طائفية. والتجارب عبر تاريخ لبنان أظهرت أنّ الشارع الذي يبدأ بمطالب الإصلاح ينتهي بالفتنة.

وفي تحليل أكثر دقَّة، سيكون الخوف من الفتنة محدوداً، ما دامت القوى الداخلية والخارجية لا تريدها. ولكن، ماذا لو تقاطعت بعض المصالح على استثمار الأمن في لبنان، وتطوير الانهيار السياسي والمالي ليصبح أمنياً أيضاً؟ وفي عبارة أخرى، ماذا لو أراد بعض القوى استخدام الانهيار الأمني لإنضاج التسويات المطلوبة؟