مع الشروع في العد التنازلي لانتهاء مدة التمديد الثاني للمجلس النيابي الحالي، دون ان يكون واضحاً كيف يمكن التوصل الى قانون انتخاب جديد، ومع ازدياد التسليم، من قبل المواقع كافة، بصعوبة وضع حد للشغور الرئاسي المتمادي، قبل هذا التاريخ، تتجه الأنظار الى التحدي الأمني، وذلك لأكثر من سبب.
أوّلها أن الفترة المقبلة هي فترة يتقاطع فيها الفراغ الرئاسي داخلياً، مع تهاوي محاولات التسوية سورياً، مع فترة احتدام انتخابي ثم تسلّم وتسليم، أميركياً.
هي اذاً فترة خطرة بالنسبة للأوضاع اللبنانية. محاولة بعض الشبكات المرتبطة بشكل أو بآخر بتنظيم «داعش» ايجاد موطئ قدم و»الزرع» في لبنان هو واحد من أبعاد هذه الفترة، هو زرع يتفاءل مهندسوه بما يمكن ان توفره لهم الازمة الدستورية الرئاسية من استفحال متزايد. المراهنون على «زرع الحالة الداعشية» في بعض البؤر، بين هذه الشبكات يعتبرون انها الفرصة السانحة، وان ثمة فراغات يمكنهم تعبئتها الآن أكثر من ذي قبل، وقبل فوات الأوان، خصوصاً مع ازدياد صعوبة الانتقال الى مناطق سيطرة «داعش» في سوريا والعراق، التي ازدادت عزلة بعد طرد مقاتلي «داعش« من كل المناطق المحاذية للحدود السورية – التركية.
من هنا أهمية كل انجاز أمني استباقي يتقوّم في الكشف عن «محاولات الزرع» هذه ووجوب أن يكون هناك اجماع واضح حول هذا الأمر، ما يتأتى فقط من خلال قطع الطريق سلفاً أمام أي محاولة احداث فراغ داخل المؤسسة العسكرية، وأكثر: التشديد على ان دور هذه المؤسسة في هذه الفترة يزداد أهمية طالما ان مريدي التفريغ والتعطيل الذين منعوا التئام المجلس لانتخاب رئيس يدخلوننا بعد أشهر في لحظة مأزقية جديدة، عندما يتلاقى الفراغ الرئاسي مع الوصول الى نهاية المدة الممددة الثانية للمجلس النيابي دون قانون انتخابي جديد، ودون قدرة على الترجيح الآن اذا كانت الانتخابات ستحصل على «قانون الستين»، أم أن «الميثاقية» المزاجية ستفضل الاستعصاء دوماً، وحول كل قضية.
في هذا الوقت، وفيما لا رئاسة قبل الانتخابات النيابية الجديدة، ولا انتخابات نيابية جديدة مضمونة الحصول في موعدها، ولا قانون انتخاب جديداً مرجحاً التوصل اليه وتشكيل اجماع حوله، واحتمال ضئيل جدا للتمكن من التمديد مرة ثالثة للمجلس، فان كل عناوين الانسداد هذه، تلتقي مع وصول القنوات التي كانت مستخدمة سابقاً للأخذ والرد بين الفرقاء الى طريق مسدود.
ويأتي كل ذلك، مع موسم جديد من الرعب في سوريا. وعلى خلفية تتجاوز لحظة الانتخابات النيابية. فأياً كان الفائز فيها، ثمة تفاهم روسي – اميركي خطر جداً تورثه الادارة الحالية للتالية. قوامه الاتفاق على ان لا نهاية لبشار الاسد قبل اخماد الثورة السورية نفسها، وان الاسد – تحديداً من الجهة الاميركية – ينتهي مباشرة بعد اخماد الثورة. هذا بعد ان اعتبرت الادارة الاميركية ان مقولات «يسقط النظام تتلاشى داعش» بعده غير واقعية بالنسبة لها، او غير مضمونة، او غير ضامنة لمصالحها.
يبقى ان اي غبطة «ممانعاتية» بنقطة التلاقي الروسي – الاميركي هذه تنسى انها نقطة يفترض في اقل تقدير، لـ»حزب الله» التحسب منها، ومن تداعياتها عليه. طبعا، هو اعلم بمصلحته، او يفترض. لكن كثرة الهروب الى الامام، معطوفة على كثرة الاعتماد على دوامات التعطيل والتفريغ في لبنان، تكشف ما به من هشاشة، مثلما تكشف ما في التركيبة اللبنانية ككل من هشاشة.