احتلت عبارة الأمن السياسي، صدارة المفردات التي تستخدم في حالات، البحث عن الأمن بعد نجاح الخطة الأمنية ولو نسبياً في الشمال، وصار الكل يتحدث عن الأمن السياسي، كبديل عن كل المفردات الأخرى ذات الصلة بما في ذلك مصطلح الأمن الاستباقي الذي يعتبر في مجال الأمن وهو الأساس لقيام دولة القانون المسؤولة وحدها عن استتباب الأمن في كل ربوع الوطن لا الأمن بالتوافق او بالتراضي على غرار ما يحدث في لبنان حالياً ومنذ أن أصبحت هيبة الدولة في اسفل الدرجات.
وإذا ما نظرنا إلى مصطلح الأمن السياسي وبحثنا في حيثياته وفي أسباب وجوده، واعتماده كظاهرة لا بديل عنها لإستتباب الأمن كوظيفة اجتماعية، تضاف إلى غيرها من المصطلحات ذات الصلة، كالأمن الغذائي، والأمن البيئي والأمن الصحي والأمن الاجتماعي وغيرها وغيرها من المصطلحات التي تتعلق بالأمن لوجدنا أنها ولدت نتيجة ضعف الدولة، وعجزها عن الإمساك بالأمن، وعلى سبيل المثال الأمن الغذائي الذي كشف عن فضائح يندى لها الجبين خجلاً بسبب ضعف الدولة أو عجزها عن مكافحة هذه الآفة من خلال تشديد المراقبة المسبقة والاستباقية على المواد الغذائية وتصنيعها لتكون مطابقة تماماً للشروط والمواصفات الدقيقة لسلامة الغذاء، فضلاً عن مسؤوليتها الأساسية كمسؤولة عن صحة المواطن في عدم التصدي لهذه الآفة وغيرها من الآفات التي تفسد صحة المجتمع وتستجلب الامراض المستعصية كمرض السرطان الذي كشف عنه وزير الصحة وائل أبو فاعور كأحد فضائح الأمن الغذائي في مسلخ بيروت، وفي العديد من المصانع التي تُعنى بصنع المواد الغذائية التي تقدم الى المجتمع كمادة صالحة، فإذا بها مادة مضرة تلحق الأذى بصحة المجتمع وبالسلامة الغذائية المفروض توفرها في هذه الصناعة.
ولو تركنا سلامة الغذاء جانباً وعدنا إلى موضوع الأمن بشكل عام، وهل يجب أن يكون أمناً سياسياً أو أمناً استباقياً لوصلنا من دون كثير من العناء إلى أن الأمن بالأساس هو أمن اجتماعي تتولاه الأجهزة الأمنية التي تشكلها الدولة ومنها تحديداً مؤسسة الأمن العام التي من أولى مهماتها الأمن الاستباقي الذي يُشكّل الدرع الاساسي والعنوان العريض للدولة القوية القادرة على اجتثاث كل البؤر الامنية من خلال عمليات الامن الاستباقي التي تتولاها الأجهزة المختصة والمعتمدة في معظم الدول المتقدمة وحتى النامية، وهذا وحده كفيل بالحفاظ على أمن الدولة وأمن المواطن كونه يقوم بعمليات استباقية لاجتثاث الجريمة وأدواتها قبل ان تستفحل وتتمدد وتتحول إلى مشكلة عامة تهدد الامن العام بما فيه امن الدولة، وتدل بالتالي على عجز الدولة وعدم قدرتها على الحفاظ على هيبتها، ذلك لأن الأمن أولاً وآخراً هو هيبة وعندما تضعف هذه الهيبة يحل محلها مصطلح الأمن السياسي، علماً بأن الأمن السياسي هو أمر عابر وغير ثابت ولا يدل على هيبة الدولة بل يدل على ضعف هذه الهيبة فضلاً عن انه يشكل بحد ذاته حالة مؤقتة حتى إذا حصل اي خلل في التوافق السياسي يسقط معه الأمن السياسي التوافقي ويعود الاضطراب وفوضى الأمن يعصف بالدولة ويضعف سمعتها التي هي اساس الأمن والاستقرار، ومن دون الأمن الاستباقي الضامن للأمن العام ولأمن الدولة يصبح البحث عن الأمن والاستقرار كمن يبحث عن المستحيل.