عندما يضطر كاتب او صحافي او اعلامي الى معالجة موضوع معيّن، تتداخل فيه السياسة بالطائفة والمذهب، خصوصاً عندما يسمّي الامور والاشخاص بالاسم، تدعيماً لصدق ما يكتب، يتّهم من كثيرين بالطائفية والمذهبية.
وعندما يحاول ان يفتش عن النظام الافضل الذي يؤمّن لجميع مكوّنات المجتمع اللبناني، الحياة التي تريحهم، وتسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية، وحقوقهم السياسية، وتضمن مستقبلهم بعيداً من السلاح والتوتر وافتئات فئة على فئة، يتهم بالعنصرية والفئوية والانعزال.
وعندما يضع الحالتين، الاولى والثانية جانباً، ولا يتكلم الاّ وطنياً، موضحاً مدى أهمية وجود دولة قوية سيّدة، ذات قرار حرّ ومستقل، واهمية حصر السلاح بيد هذه الدولة والمسؤولة الوحيدة عن عمل المؤسسات والتعيينات، وسلامة الوطن والمواطن، من ضمن خطط امنية تضعها الدولة، وتنفذها الدولة، بعيداً من التسويات والتراضي و«شوفة خاطر» هذه الطائفة أو هذا المذهب او هذا الحزب او هذه العشيرة، و«قبضاي الحي»، يتهم بأنه انسان ساذج، لا يقرأ «التحولات» الاقليمية جيداً، ولا المتغيّرات على الارض التي رسمت الكثير من «الخطوط الحمر» التي لا يمكن تجاوزها الاّ اذا تكرّم «فلان وفليتان» وسمح بها ومن باب «تربيح الجميل».
هل سمعتم في يوم من الايام، عن دولة في بلد مكتمل السيادة، تبني سياساتها وقراراتها ومواقفها الداخلية والخارجية على رضى هذا الشخص او ذاك، او على رفض هذا الفريق او ذاك، بمعنى ان الطائفة الاكبر، او الطائفة الاقوى، هي التي تحرّم وهي التي تحلّل، وباقي الطوائف، والمذاهب، عبارة عن «كومبارس» لأداء الادوار الثانوية، وقد تعطى حق «الاعتراض غير الملزم»، على قاعدة «قولوا ما تشاؤون ونحن نفعل ما نريد».
في المبدأ، حكومة الرأي المتجانس، بالتعاون مع رئيس الجمهورية وتوجيهاته، هي التي تأخذ القرار، أمنياً أكان، ام اقتصادياً، ام مالياً، ام سياسياً، والجهات المعنية هي التي تضع خطط التنفيذ وحدها دون سواها، فهل هذا ما حصل في لبنان، منذ عقود طويلة، ويحصل اليوم على يد هذه الحكومة، ام ان الاقوى والاكبر، هم الذين سمحوا بخطة طرابلس ورسموا حدودها وخطوطها الحمر، وبالتأكيد هم وراء الخطة الامنية للبقاع الشمالي التي ينتظر ان تبدأ نهاية هذا الاسبوع، وتلك التي يمكن ان تجهز بعد عمر طويل لبيروت والضاحية، وربما صيدا ومخيم عين الحلوة لاحقاً، وجميعها مدموغ بختم «صنع بالتراضي»، والأمن بالتراضي كما هو معروف، ليس من طويلي العمر، لأنه محكوم بالرضى، المعرّض في اي وقت، ان يتحوّل الى غضب ورفض، وهكذا تنهار هذه الخطط، كما سبق وانهار الكثير غيرها سابقاً.
* * * * *
سألني صديق عزيز في تعليق له على مقالتي يوم الاثنين الماضي: «هل بلغنا سن الرشد والقرار؟» وجوابي الموسّع على هذا السؤال الكبير، انه في غياب الدولة، والرئاسة الاولى، والدستور، والقانون، والديموقراطية، والحرّيات، والعدل والأمن، لا يعود ينفع وجود رشد او قرار، لأن «الغلبة عندها تكون للاقوى» وسن الرشد والقرار في مثل هذه الحالة، يشبهان دولة الفاتيكان، التي تساءل يوماً جوزف ستالين باستهزاء «كم دبابة وطائرة تملك هذه الدولة؟».
سن الرشد والقرار يا صديقي ينموان ويكبران ويؤثران في مناخ الحرية والديموقراطية، ولبنان لا يعيش منذ زمن طويل في هذا المناخ، ولا علامة في الافق تشير الى ان المناخ هذا قريب.
نعم… انا متشائم!!