لطالما كان السلام والأمن العالميين وكذلك وجود هيئة دولية ذات طابع اممي تتجاوز الحدود الوطنية تجنبا لإندلاع الحروب، هاجسا لدى شعوب هذه الأرض.
ولكن وعلى الرغم من هذه الهواجس فقد وقعت الحرب العالمية الأولى التي انتهت بتنظيم معاهدة «فرساي» 1919 بتعزيز التعاون الدولي والسلام والأمن وإنشاء «عصبة الأمم».
لكن ذلك لم يحل دون وقوع الفوضى الدولية التي مهدت لقيام الحرب العالمية الثانية ما حدا بالدول الخارجة منتصرة إضافة لعدد آخر للحلفاء الى الإجتماع في سان فرانسيسكو بتاريخ 26/6/1945 وقاموا بصياغة «ميثاق الأمم المتحدة» الذي بلغ عدد مواده 111 مادة. وقامت منظمة الأمم المتحدة بدلا من عصبة الأمم ولكنها تبنت نفس الأهداف.
تضم منظمة الأمم المتحدة 6 وكالات مستقلة ومتخصصة وتعمل جميعها مع الأمم المتحدة.
إن أهم وكالة هي «مجلس الأمن» المولج بحفظ السلام والأمن الدوليين من خلال القرارات التي يتخذها. ويهتم بإنماء العلاقات الودية بين الأمم والتعاون على حل المشاكل الدولية وعلى تعزيز إحترام حقوق الإنسان الخ…
يحق لمجلس الأمن أن يجتمع كلما ظهر تهديد للسلم ويأخذ زمام المبادرة للإضاءة على وجود تهديد أو أي عمل عدواني ويدعو اطراف النزاع الى تسوية هذا النزاع بالوسائل السلمية ويوصي بشروط التسوية. وفي بعض الحالات يمكن لمجلس الأمن أن يفرض جزاءات للضغط على الدولة المعنية للإمتثال للأهداف التي حددها المجلس قبل إستخدام القوة.
توفر هذه الجزاءات لمجلس الأمن آداة هامة لإنفاذ قراراته التي ينفرد وحده بإتخاذها وذلك بسبب الطابع العالمي للأمم المتحدة ولأن جميع الدول الأعضاء ملزمة الإمتثال لقرار المجلس كما ورد في ميثاق «الأمم المتحدة». ولكن ليس ما يمنع المجلس من إستخدام القوة لتنفيذ قراراته.
يتألف مجلس الأمن من 15 عضوا هي الدول الخمس الدائمة العضوية وهي: الصين، فرنسا، الإتحاد الروسي، بريطانيا والولايات المتحدة و10 أعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة لمدة سنتين.
يتخذ المجلس نوعين من القرارات: إجرائية وموضوعية ويقتضي لإنفاذ هذه القرارات موافقة 9 أعضاء إذا كلن القرار إجرائيا وعددا مماثلا إذا كان القرار موضوعيا ولكن بموافقة الأعضاء الخمسة الدائمي العضوية.
تتمتع الدول الخمس الدائمة العضوية وحدها بحق النقض أو ما يعرف ب «Veto» المشتقة من عبارة لاتينية هي «Vetare» وتعني الإمتناع أو الإعتراض وقد سمح «ميثاق الأمم المتحدة» للدولة المعترضة على مشروع قرار أن تمارس حق الإعتراض عليه دون أن تكون ملزمة بتوضيح سبب إعتراضها. لكن تغيب الدولة أو إمتناعها عن التصويت لا يشكلان «Veto».
تاريخيا كان «الفيتو» مطبقا في مدينة روما بالعهد القنصلي عندما كان يحكمها قنصلان يحق لكل منهما أن يمتنع عن توقيع على أمر أصدره الآخر.
بدأ إستخدام حق «الفيتو» في العام 1945 حيث إستخدمته روسيا 120 مرة، وفرنسا 18 مرة، وبريطانيا 38مرة، والصين 5 مرات والولايات المتحدة 77 مرة منها 36 مرة دفاعا عن «إسرائيل».
لقد تعرض حق «الفيتو» وما يزال للكثير من الإنتقادات لأن كثيرا من القرارات التي يرفضها مجلس الأمن بسبب «الفيتو» لا تعكس الأوضاع السياسية الحقيقية. وقد رأى البعض أن «الفيتو» هو نتيجة للخضوع لقوة عالمية ما يساهم في شل حركة مجلس الأمن ويهدد مستقبل المنظمة الدولية. وقد ظهر ذلك جليا من خلال المبالغة بإستخدام حق النقض وإساءة استعماله ما جعل مجلس الأمن عاجزا عن إداء المهام المنوطة به.
وتدليلا على ذلك ما حصل في الآونة الأخيرة في حرب العراق عندما عمدت الولايات المتحدة على إنشاء تحالف دولي مؤقت لخوض هذه الحرب ضم بعضا من الدول وذلك هروبا من مجلس الأمن كي لا تصطدم بحق «الفيتو».
مما لا شك فيه أن إستبدال المجلس بحلول بديلة مثل التحالف الدولي أو خلافه لا يساهم ابدا بترسيخ عملية السلام والأمن الدوليين، لا بل وعلى العكس من ذلك يؤدي الى إهتزاز السلم العالمي وقد يؤسس الى قيام حرب عالمية ثالثة وهذه المرة سيتكفل أهل الأرض وحدهم بتدمير الأرض.
* مدعي عام التمييز سابقاً