Site icon IMLebanon

عندما يتحوّل مجلس الأمن إلى سيرك وإسرائيل إلى دولة شمولية

 

شهد نهاية الأسبوع ما قبل الأخير من العام 2023 حدثين في غاية الدلالة، الأول صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2720 حول غزة وإسرائيل، والثاني مذكرة الرقابة العسكرية في جيش الاحتلال لوسائل الإعلام الإسرائيلية.

الحدث الأول يؤكد تحويل واشنطن مجلس الأمن الى مجرد سيرك تستعرض فيه ساديتها بالسماح لإسرائيل بارتكاب المزيد من الفظائع وقد ناهزت المائة ألف فلسطيني في ثلاثة أشهر من العدوان بين قتيل وجريح ومفقود وتدمير كلّي للحجر والشجر على وقع مصطلحات للمجازر لم يألفها البشر في تاريخهم الإنساني على الإطلاق وتمعّن ترويض بقية أعضاء المجلس بطروحات بعيدة عن المنطق والقانون الدولي والإنساني، والثاني الذي جرى التعتيم الإعلامي عليه خارج دولة الاحتلال يشي بفضح الادّعاءات الإسرائيلية الزائفة بالحرية والديمقراطية وأنها مجرد دولة شمولية بحرفية المعنى ليس إلّا، فالحرية عند تل أبيب تنتهي حينما يبدأ الحديث عن فلسطين.

 

بتأييد 13 عضوا وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2720 حول غزة وإسرائيل.

تفاصيل القرار

طالب المجلس في قراره أطراف النزاع بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وحماية المدنيين والأعيان المدنية، ووصول المساعدات الإنسانية، وحماية العاملين في المجال الإنساني وحرية حركتهم. كما رفض «التهجير القسري للسكان المدنيين، بمن فيهم الأطفال». وأكد مجددا التزامات جميع الأطراف «فيما يخص الامتناع عن مهاجمة، أو تدمير أو إزالة أو إتلاف الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة».

طالب القرار أطراف النزاع أيضا بإتاحة وتيسير استخدام «جميع الطرق المتاحة المؤدية إلى قطاع غزة والكائنة في جميع أنحائه»، بما في ذلك التنفيذ الكامل والسريع للفتح المعلن عنه لمعبر كرم أبو سالم الحدودي، لتوفير المساعدة الإنسانية التي تتضمن الوقود الكافي للوفاء بالاحتياجات الإنسانية والغذاء والإمدادات الطبية ومساعدات الإيواء العاجل «إلى السكان المدنيين المحتاجين في جميع أنحاء قطاع غزة».

 

كما طالب المجلس بتنفيذ القرار 2712 الذي اعتمده في منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر بالكامل، وطلب من جميع الأطراف المعنية الاستفادة الكاملة من آليات الإخطار الإنساني وتفادي التضارب العسكري – الإنساني القائمة لحماية جميع المواقع الإنسانية، بما فيها مرافق الأمم المتحدة، والمساعدة في تسهيل حركة قوافل المساعدات.

يبدو ان أميركا فرضت قراراً سوريالياً يتطلب الدوران حول الشكل لاكتشاف المضمون لان هذه الديباجة تبقى مجرد صيغة إنشائية بغية شراء الوقت النازف لتستكمل تل أبيب مجازرها اليومية، إسرائيل استخفت بالقرار فور صدوره واعتبرته تأكيدا لحقّها في تضييق الحصار والتحكّم في سير قوافل المساعدات.

الصيغة الحالية للقرار على رأي المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا الذي دارت حوله مفاوضات مطوّلة، فرضتها الولايات المتحدة، إنها لحظة مأساوية بالنسبة للمجلس، وليست لحظة انتصار للدبلوماسية متعددة الأطراف، بل هي لحظة ابتزاز فاضح وغير مسبوق ومجردة من المبادئ، تعكس ازدراء واشنطن لمعاناة الفلسطينيين وآمالهم في أن يضع المجتمع الدولي حدا لكل هذا القتل والإجرام، وأن المطالبة بشكل واضح بوقف كامل لإطلاق النار من قبل مجلس الأمن، «تظل ضرورة حتمية»، وانه بدون ذلك، وكما أظهرت تجربة قرار مجلس الأمن رقم 2712، فإن تنفيذ قرارات مجلس الأمن في غزة سيكون ببساطة مستحيلا.

 

وفي دلالة على امتعاض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والذي سبق وفعل المادة (99) من أجل تبنّي المجلس قرار بوقف إطلاق النار وأجهضه الفيتو الأميركي كمحاولة سادسة في هذا المجال، أكد إن العمليات القتالية الإسرائيلية تعرقل وصول المساعدات إلى قطاع غزة.

وأضاف غوتيريش، عقب تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار بشأن توسيع نطاق المساعدات الإنسانية إلى غزة ومراقبتها، أن «ما يحدث في غزة لم نشاهد له مثيلاً، ويجب أن تتوقف الحرب؛ لإيصال المساعدات».

وتابع: «انتظرنا 70 يوماً للحصول على موافقة إسرائيل على فتح معبر كرم أبو سالم أمام المساعدات».

في المقلب الآخر حيث «الرقابة العسكرية» في جيش الاحتلال حوّلت الإعلام الإسرائيلي الى إعلام شمولي ملحق بالإعلام العسكري، فقد نشر موقع The Intercept الأميركي، السبت 23 ديسمبر/ كانون الأول، تقريراً حول الموضوعات الثمانية التي يُحظَر على وسائل الإعلام الإسرائيلية، النشر عنها في تل أبيب، وذلك وفقاً لوثيقة حصل عليها الموقع، والتي من بينها الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي، وتسريبات الحكومة الأمنية المصغرة، والتقارير بشأن الأسرى الذين تحتجزهم حماس، تقرير الموقع أشار إلى أنه لم يُنشَر عن الوثيقة من قبل، وهي عبارة عن أمر رقابة أصدره الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام كجزء من حربه على حماس.

 

وحسب الموقع الأميركي، كانت المذكرة، التي كُتِبَت باللغة الإنجليزية، خطوة غير معتادة بالنسبة لرقابة الجيش الإسرائيلي، والتي كانت جزءاً من الجيش الإسرائيلي لأكثر من سبعة عقود، من جهته، قال مايكل عمرمان، رئيس التحرير السابق لموقع +972 Magazine الإسرائيلي والذي يتولى حالياً منصب مدير أبحاث شؤون إسرائيل وفلسطين بمنظمة «الديمقراطية في العالم العربي الآن» الأميركية: «لم أرَ قط أوامر كهذه تُرسَل من الرقابة باستثناء الإشعارات العامة التي تطلب الالتزام من وسائل الإعلام على نطاق واسع، وحتى حينئذ، كانت تُرسَل فقط لأشخاص معينين».

ولم يحمل الأمر، الذي جاء بعنوان «عملية السيوف الحديدية: توجيهات رئيس الرقابة الإسرائيلية لوسائل الإعلام»، أي تاريخ، لكنَّ إشارته إلى «عملية السيوف الحديدية» – وهو اسم العملية الإسرائيلية الحالية في غزة – يُوضِح أنَّه صدر في وقتٍ ما عقب هجمات حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويحمل الأمر توقيع رئيس مكتب رقابة الجيش الإسرائيلي، العقيد كوبي ماندلبليت، وحصل موقع إنترسبت على نسخة من الوثيقة من مصدر هو نفسه حصل على نسخة من الجيش الإسرائيلي. وتظهر وثيقة مطابقة على موقع الحكومة الإسرائيلية.

جاء في الأمر: «في ضوء الوضع الأمني الحالي والتغطية الإعلامية المكثفة، نرغب في تشجيعكم على تقديم كل المواد التي تتعلَّق بأنشطة قوات الدفاع الإسرائيلية (الجيش) وقوات الأمن الإسرائيلية للرقابة قبل نشرها».

وأضاف: «يُرجى إطلاع موظفيكم على محتوى هذا الخطاب، مع التركيز على مكتب الأخبار والمراسلين الميدانيين».

وحدَّد الأمر ثمانية موضوعات يُحظَر على وسائل الإعلام النشر عنها دون موافقة مسبقة من الرقابة العسكرية الإسرائيلية. تتناول بعض الموضوعات قضايا سياسية ساخنة في إسرائيل وكذلك دولياً، مثل الإفصاح المحتمل المثير للحرج عن الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل أو تلك التي وقعت في قبضة حماس، والنقاشات في اجتماعات الحكومة الأمنية، والرهائن الإسرائيليين في غزة، وهي قضية تعرَّض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لانتقادات واسعة النطاق بسبب سوء تعامله معها.

تحظر المذكرة أيضاً النشر حول تفاصيل العمليات العسكرية، والمعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، والهجمات الصاروخية التي تصيب مواقع حساسة في إسرائيل، والهجمات الإلكترونية، والزيارات التي يقوم بها مسؤولون عسكريون كبار لساحة المعركة.

كما أشار الموقع الأميركي إلى أن المخاوف بشأن تسييس الرقابة العسكرية ليست مجرد افتراضات. ففي الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، أشارت تقارير إلى أنَّ رئيس الرقابة العسكرية اشتكى من أنَّ نتنياهو يضغط عليه لقمع وسائل إعلام معينة دون سبب مشروع.

والرقابة العسكرية الإسرائيلية هي وحدة تقع داخل شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. ويقود الوحدة رئيس الرقابة، وهو ضابط بالجيش يُعيِّنه وزير الدفاع.

إلى ذلك، قال غاي لوري، وهو زميل أبحاث بمعهد الديمقراطية الإسرائيلي ومقره القدس، لموقع إنترسبت، إنَّه منذ بدء حرب إسرائيل على حماس، خضعت أكثر من 6500 مادة إخبارية إمَّا لرقابة كاملة أو جزئية من جانب الحكومة الإسرائيلية. ولوضع الرقم في سياقه، قال لوري إنَّه أكثر بأربعة أضعاف ما كان قبل بدء الحرب، مستشهداً في ذلك بتقرير نشرته منظمة «شاكوف» الإسرائيلية بناءً على طلبات مرتبطة بقانون حرية تداول المعلومات.

في السياق، أوضحت مصادر صحفية أن مذكرة التوجيهات الخاصة بالحرب الحالية على غزة باللغة الإنجليزية تدل على أنها مُوجَّهة للإعلام الغربي. ويتعيّن على الصحفيين الأجانب العاملين في إسرائيل الحصول على ترخيص حكومي، وضمن ذلك إقرار بأنَّهم سيتقيَّدون بالرقابة.

ومن المعلوم كي تحصل على تأشيرة بصفتك صحفياً، يتعيّن عليك الحصول على موافقة من مكتب الإعلام الحكومي، ومن ثَمَّ يتعيّن عليك توقيع وثيقة تقول إنَّك ستمتثل للرقابة. وهذا بحد ذاته في الغالب مخالف للقواعد الأخلاقية لمجموعة من الصحف».

مع ذلك، يُوقِّع كثير من الصحفيين بالفعل على الوثيقة، وضمن ذلك وكالة أسوشيتيد برس الأميركية على سبيل المثال. في المقابل، رفضت صحيفة واشنطن بوست الأميركية الحديث عن الأمر علانيةً، في حين لم ترد وكالة رويترز على أسئلة الموقع الأميركي بخصوص المسألة.

يبدو ان إسرائيل كما يتهمها الكثيرين لا تقول الحقيقة بشأن أهدافها من العدوان وغير صادقة في أرقام خسائرها التي تعلنها وتخفي الحقيقة عن الإسرائيليين لا سيما ذوى الأسرى لدى المقاومة بحجة ان المقاومة تمارس ضغوطاً وحرباً إعلامية في هذا المجال، السؤال الملحّ هو ماذا أبقت الرقابة العسكرية الإسرائيلية للصحافة كي تتحدث عنه في سياق العدوان على غزة سوى ترديد أكاذيب الناطقين باسم الحكومة والجيش الإسرائيلي وقد أضحى الجمهور الإسرائيلي نفسه يسعى لسماع أخبار الحرب من تصريحات أبو عبيدة وأبو حمزة وفيديوهات المقاومة حصراً وقد أزاحت دولة الاحتلال القناع عن وجهها الشمولي البشع كواقع استعماري عنصري بغيض على خطى العم سام وقد أباد السكان الأصليين في القارة الجديدة إلّا ان ما يجب أن يعلمه الجميع ان فلسطين شعب الجبارين عصيّة على كل المحاولات الاستعمارية وستنتصر.

* كاتب صحفي ومحلل سياسي لبناني