علامتان فارقتان طبعتا مؤخراً مسار الشرعية الدولية لتصديهما وللمرة الأولى ربما لحالة الظلم غير المبرر الذي لحق بالشعب الفلسطيني وما يزال منذ ما يزيد على 75 عاما.
العلامة الأولى تمثلت بقرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي يعد من القرارات التاريخية في مسيرة هذا المجلس عندما طالب إسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة أقله في شهر رمضان المبارك خاصة وأن هذا القرار جاء نتيجة إجماع دولي لأن الراعي الرسمي لإسرائيل امتنع عن التصويت ولم يستعمل حق الفيتو.
غير أن الواقعية السياسية تمنعنا من الذهاب بعيدا في تفسير الموقف الأميركي وإن بدا أن هذا الموقف كان بمثاية إعتراض على مواقف الحكومة الإسرائيلية الرعناء وما تسبب بنتائج كارثية أحرجت الولايات المتحدة وحلفائها في العالم.
يقتضي تحليل العلاقة بين السياسة الأميركية بغض النظر عن الحزب الذي يكون في الحكم وبين إسرائيل بصورة موضوعية من خلال بعدين: إستراتيجي ووظيفي.
فمن منطلق الإستراتيجية الأميركية يبدو واضحا إذا لم يكن مؤكدا أن اميركا لن تسمح بإنهيار إسرائيل وهذا ما ظهر جليا من خلال واقعتين: مد إسرائيل بكميات وافرة من السلاح خلال عبور الجيش المصري لقناة السويس بحيث إنقلبت نتائج الحرب لمصلحة إسرائيل. والواقعة الثانية هي ما قامت به أميركا مؤخرا بتزويد إسرائيل بآلة الحرب الأكثر تطورا بعد زيارة وزير الأمن الإسرائيلي إليها.
ومن الناحية الوظيفية توظف إسرائيل اللوبي اليهودي في أميركا الذي يسيطر على عنصري المال والإعلام في خدمة الحزب الذي تؤيده. وما يؤكد ذلك أن المرشح ترامب الأقرب لإسرائيل طالبها بأن تتقدم نحو السلام والعيش حياة طبيعية.
إن الواقعية السياسية التي أشرنا اليها تجعلنا نلاحظ أن قرار مجلس الأمن الأخير ليس أكثر من تأنيب إسرائيل دون المساس بالخطوط الإسترتيجية الكبرى بحيث يبدو أن أميركا تريد حماية ليس فقط نفسها وإنما حماية إسرائيل هي الأخرى من نفسها.
حتى أن الرأي السياسي المعتدل داخل إسرائيل الذي تمثله هيئة البث العبرية يعتقد أن قرار مجلس الأمن لا يشكل إلزاما قانونيا على إسرائيل وإنما يعزز الموقف الإعتراضي الذي بدأت تتعرض له بسبب إمتناعها عن تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية الداعي إلى الحيلولة دون إرتكاب جرائم الإبادة الجماعية.
أما العلامة البارزة الثانية تمثلت بذلك التصريح المستقل الذي أدلى به رئيس محكمة العدل الدولية القاضي اللبناني نواف سلام بتاريخ 28| آذار |2024 والذي جرى ضمه الى محفوظات المحكمة ليكون وثيقة تاريخية أولى لموضوع التصدي لحالة الصراع المستمر في الشرق الأوسط.
قال القاضي نواف سلام أنه من الضروري إلزام إسرائيل رفع العوائق التي تحول دون وصول المساعدات الإنسانية الى غزة. وإنه لأمر مروع بعد كل هذه المعاناة على مدى أشهر عدة أن يحتفل الفلسطينيون في غزة في شهر رمضان فيما القنابل الإسرائيلية ما تزال تتساقط والرصاص ما يزال يتطاير والمدفعية لا تزال تقصف والمساعدات الإنسانية لا تزال تواجه العقبة تلو الأخرى.
واستطرد قائلا أنه نتيجة دراسة مشتركة بين كلية لندن للصحة والطب الإستوائي ومركز جون هوبكنز للصحة الإنسانية تبين منها أن الحالة الراهنة تحصد 6550 حالة وفاة، وأن هذا العدد سوف يرتفع تصاعديا إذا لم يتم وقف النار. وإن الإجراءات المطلوبة لا تحقق مفاعيلها بالكامل ما لم يتم الإلتزام الفعلي بوقف إطلاق النار من شهر رمضان الى حين التوصل الى وقف دائم لإطلاق النار.
بيد أنه وعلى الرغم من أهمية القرارت الدولية فإنها تبقى حبرا على ورق وتستمر إسرائيل في ممارسة دور «الدولة المارقة» ما لم يتدخل مجلس الأمن من دون تدخل الفيتو الأميركي وإصدار قرار ضد إسرائيل وفقا لنظام الفصل السابع من وثيقة الأمم المتحدة.