Site icon IMLebanon

مجلس الأمن وجلسات الأُنس في السويد

أعضاء مجلس الأمن قرروا بالإجماع في نهايات الأسبوع الفائت، أخذ إجازة من أجواء الأمم المتحدة وكواليسها وقاعة مجلس الأمن الحافلة بالالتهابات والتعقيدات والتعصيبات السياسية، وتنامي النزاعات القائمة بين ممثلي الدول الأعضاء في المجلس وكل ما تعلق بالشأن السوري والإحتراب والنقاشات الحادة والڤيتوات المتبادلة وخاصة منها تلك المتعلقة بالمندوب الروسي الذي أثبت أنه يجهل كلمة «أوافق» كائنا ما كان الإقتراح المصوّت عليه. أما الإجازة التي أخذها مجلس الأمن لنفسه فتلك التي لبّى بها الأعضاء دعوة المندوب السويدي إلى تلك المزرعة الكائنة في موقع هادىء ورومانطيكي الطابع في السويد، وهي البلد شديد الروّاق والذي وصفه المندوب الفرنسي بأنه المكان المناسب لخلوة بين الأعضاء الخمسة عشر تعقد في بناء أبيض يطل على بحر البلطيق، مما أتاح لهم التخلي «وسط هذه الأجواء الرومانطيكية» عن «عملية التسيير الآلية والدخول في نقاش فعلي ومعمق، يتناول الأزمة السورية» كما قال المندوب الفرنسي. يا سلام على يومي العسل اللذين قضاهما أعضاء المجلس في هذا المكان الموصوف بجمالياته الطبيعية، وهذه المزرعة التي ابتعدت بمجلس الأمن إلى القارة الأوروبية وإلى السويد المعروفة برقيها ورواق أجوائها، التي ذكر المندوب الأسوجي بصددها، أنه «بمجرد جلوس المندوب الروسي خلالها إلى جانب السفيرة الأميركية إلى طاولة واحدة طوال يوم ونصف يوم، قد أسفر عن نشوء ثقة لمجلس الأمن هو في حاجة إليها لتحمل مسؤولياته!
في هذا الجو «الرومانطيكي» الرائع الذي يصلح أكثر ما يصلح للمناغاة والمناجاة، كانت هناك أجواء أخرى مختلفة تماما لم تكف فيها الطائرات السورية والروسية عن إطلاق أطنان هائلة من صواريخها وقنابلها وبراميلها النارية الفتاكة، على نفس الضحايا ونفس المدنيين ونفس الأطفال ونفس النسوة وأن كانوا قد استُهْدِفوا واستُبْدِلوا بطبعة جديدة اشتعلت بعمليات الإبادة الجماعية متنقلة من مكان إلى مكان ومن منطقة إلى أخرى ومن عملية تغيير المعالم السكانية من خلال نقل جموعها من مناطقهم ومنازلهم التي كانت لها أشكال منازل، فأضحت حطاما مجبولا بالدماء وبما تبقى من معالم الحياة الحضارية.
المسرحيةُ نفسها، يستمرُّ عرضها مجددا في أماكن مختلفة من المشهد السوري. ملتهمة أخضره واليابس، وبشَرَهُ أطفالا ونساء وشيوخا، إمعانا من روسيا ورفاقها في سلوك الدرب الإجرامي في إحقاق مشاريع التقسيم الجغرافي والتقاسم المصلحي لما تبقى من خيرات البلاد وأماكنها الاستراتيجية، الأمر الذي أدى إلى إرهاق أعصاب المتابعين والمتفرجين على الفيلم الروسي- الأميركي الطويل الحافل بمشاهد العنف والقتل والتمثيل بأجساد ومعالم البلاد والعباد، فكانت هذه الفكرة «الرائعة» بنقل جلسة المجلس، إلى أجواء السويد الهادئة… على رواق وبهدوء أعصاب وبامتناع عن أن يزعج الأعضاء بعضهم بعضا، ومن خلالهم خلق فرصة جديدة لتمكين مجلس الأمن الرأي العام والمجتمع الدولي والقوى العظمى والوسطى والصغرى من التنعم بقيلولة مهدئة وأحلام سعيدة، ولعلها استعانت في الوقت نفسه بعزف غيتار ناعم النغم للتلطيف من أنغام المدافع والصواريخ والقتل والتهجير الموغلين في الإستمرار والإستقرار.
أما الدول العربية، وخاصة منها تلك المجاورة لسوريا، فأغلبها كان وما يزال غارقا في المعارك على اختلاف أنواعها، ولعل أهمها في هذه الأيام تلك المعارك الإنتخابية التي تحاول أن تستنهض بلادها من أتون تلك الحروب والجبهات الإقتتالية التي سبق أن غرقت مطولا في أتونها، ولعل وصولها في تهدئة أوضاعها إلى مرحلة إجراء انتخابات دون أن تمتليء أرجاؤها بشتى صنوف المعارك والإلتهابات الأمنية يشكل نوعا من التقدم على الصعيد العام، أورثها بشكل أو بآخر تشبثا بمبدأ النأي بالنفس الذي أوقع بعضا منها ما بين حدّين أحلاهما مرّ، فكأننا بها تتلطى بهذا اللهب المحيط بها، بما تيسر لها من الاختباءات والإجتماعات التي ما زالت تتوقع أن تشكّل لها الحماية والرعاية الكافية التي تقيها من الأحوال المتأزمة المجاورة لها والمقتحمة لحساسياتها المذهبية والطائفية والمتعّرضة لجملة من الأخطار والأضرار والاحتدادات المناطقية والتهجيرية والمذهبية، الأمر الذي يجعل من لبنان هذه الايام مشابها لتلك المزرعة السويدية المطلة على بحر البلطيك، ومتماشيا مع أوضاع التهدئة التي تسببها لأعضاء مجلس الأمن الذين أرهقتهم وأزعجتهم أوضاع منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي عموما وسوريا بشكل خاص، وكثير من بلدانهم يغامر بعلاقات تغض الطرْف عن كثير من الأخطار التي تواجهها، مستعطفة من ترى أنه يقتضي استعطافه من قوى عظمى لتصل من خلال هذا الإستعطاف لمبالغة في انتهاج تصرفات النأي بالنفس عن معضلات كبرى ما زالت تحوم حول المنطقة عموما، وحول تلك البلدان خصوصا، مهددة العالم كله بأشد وأقسى أنواع المخاطر، ولعل أعضاء مجلس الأمن قد اشتاقوا من خلال انتقالهم إلى السويد ليعقدوا فيها «جلسة رواق» تمكنهم من تليين الأعصاب والافكار والإقتراحات، ولعل جلسة واحدة من هذا النوع لا تكفي لتحقيق الغايات المقصودة منها فتتلوها جلسة أخرى وربما جلسات قد تصل إلى حدود ليالي الأنس في ڤيينا، وليالي استمرار القتل والتهجير والخراب في سوريا المنكوبة.