في موسم الأعياد، ترقص «اليونيفيل» على نغمة «خرق حفر الأنفاق للقرار 1701». يصفّق بعض أعضاء مجلس الأمن لنغمة تحريض الجيش اللبناني ضد المقاومة. الأمم المتحدة تتناول بعض خلاصات تحقيق مزعوم، قبل ختمه، وفيما يهدد نتنياهو بالحرب، تنبه خبيرة إسرائيلية من تزايد الأنفاق وامتدادها إلى المستوطنات، مقرّ بصعوبة كشفها وتدميرها. إزاء كل ذلك، يبرز توازن الرعب، الذي حققه حزب الله في وجه العدو الإسرائيلي، ضمانة لعدم اشتعال حرب واسعة النطاق
أعلن نائب الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون حفظ السلام، جان بيار لاكروا، خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، أول من أمس، أن «وجود أنفاق حُفرت تحت الخط الأزرق، الذي يفصل لبنان عن إسرائيل، يشكل خرقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1701 (2006)». أضاف لاكروا إن قوات حفظ السلام قامت بالتحقيق واكتشفت أربعة أنفاق جنوبي الخط الأزرق، مشيراً إلى أن اثنين منها يعبران تحت الخط الأزرق.
المستغرب في الأمر عدم اطلاع لبنان رسمياً، حتى الآن، على كامل تقرير التحقيق المزعوم الذي تحدث عنه لاكروا. ولدى سؤال المتحدث باسم «اليونيفيل» أندريا تينينتي عن ذلك، قال لـ«الأخبار» إن «التحقيق مستمر ولم يختم حتى الآن». هذا قيل يوم أمس، فكيف يمكن أن يدلي لاكروا ببعض خلاصات التحقيق قبل ختمه؟ ألا يُعدّ ذلك استباقاً للنتائج النهائية واستعجالاً يثير الشكوك في احتمال وجود تدخل سياسي دولي ضاغط على الأمم المتحدة لمصلحة العدو الإسرائيلي؟ هل تعامل لاكروا مع الـ 1800 خرق إسرائيلي للقرار 1701 بما فيها من خطف وتهديد وانتهاك للسيادة اللبنانية، جواً وبحراً وبرّاً، وبشكل فاضح ومتكرّر ومستفزّ، بالطريقة نفسها التي يتعامل فيها مع مزاعم غامضة عن «اكتشاف» أنفاق قد يعود تاريخ حفرها إلى ما قبل صدور القرار 1701 عام 2006؟
اللافت أن مندوبي كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وهولندا والبيرو وبوليفيا طالب، خلال جلسة مجلس الأمن، بإجراء تحقيق في قضية الأنفاق، بالرغم من تأكيدات «اليونيفيل» في الجلسة نفسها أنها أجرت تحقيقاً بذلك الشأن، وأيضاً بالرغم من إعلان لاكروا بعض نتائج ذلك التحقيق. وفي إشارة واضحة الى عدم قيام «اليونيفيل» حتى اليوم بتحقيق شامل، طالب المندوب الأميركي، رودني هانتر، أن يُسمح لـ«اليونيفيل» دخول الأنفاق من الجهة اللبنانية لتقوم بالتحقيقات اللازمة. كرر مندوبا هولندا والبيرو المطلب نفسه. بدوره، أشار المندوب الفرنسي، فرانسوا ديلاتر، إلى وجوب إجراء تحقيق مشترك لقوات «اليونيفيل» مع الجيش اللبناني في قضية الأنفاق.
لا بد من التذكير أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى دول أخرى في الاتجاه نفسه، كانوا قد صنفوا المقاومة في لبنان، المتمثلة في حزب الله، منظمة إرهابية. سعوا وما زالوا يسعون إلى سبل للقضاء على هذه المنظمة، التي تمكنت من «خربطة» بعض الخطط الغربية الهادفة إلى حفظ المصالح الإسرائيلية والغربية في المنطقة. لا شك أن المطالبة الأميركية – الفرنسية بقيام «اليونيفيل» مع الجيش اللبناني بتحقيق مشترك في مزاعم حفر حزب الله للأنفاق، بعد إشهار الأمم المتحدة لخلاصة التحقيق قبل ختمه، هو مسعى لتحريض الجيش والدولة اللبنانيّة ضد حزب الله، وذلك بذريعة أن الحزب يورط لبنان في حرب مدمرة. المندوبة البريطانية لدى مجلس الأمن، كارن بيرس، أشارت إلى ذلك بشكل واضح من خلال حسمها «قيام حزب الله ببناء أنفاق باتجاه إسرائيل». هي نفسها شدّدت أيضاً على «حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها». ساندها مندوب السويد، أولوف سكوغ، وكذلك مندوب بولونيا، مريوس ليفيكي، حيث طالب الأخير بتنفيذ «ساحق» لقرار مجلس الأمن 1559 (2004) من خلال «نزع» سلاح المقاومة».
ملاحظات في الأصول القانونية
إن التحقيق في قضية الأنفاق ينبغي أن «يكون حيادياً» (كما قال مندوب بوليفيا). لا يجوز انحياز الأمم المتحدة لطرف على حساب آخر. مندوب الاتحاد الروسي كان قد ذكّر بالخروقات الإسرائيلية المتعددة والمتكررة للقرار 1701، في إشارة منه إلى ازدواجية المعايير المعتمدة في مجلس الأمن.
أما من الناحية القانونية البحتة، فلا بد من الملاحظات الآتية:
ــــ أولاً، لم تقدّم «اليونيفيل» حتى الآن أي دليل قانوني يثبت أن الأنفاق المزعومة حفرت بعد صدور القرار 1701 عام 2006، وبالتالي يكون لاكروا، بتصريحه أمام مجلس الأمن، يخرق مبدأ «لا جريمة بدون نص» (Nullum crimen sine lege). لا يمكن عد أي عمل مخالفاً للنص إذا وقع قبل صدور النصّ، وبالتالي ولا يكون هنالك مفعولٌ رجعي ينطبق على قرارات مجلس الأمن الدولي.
ــــ ثانياً، لم تقدم «اليونيفيل» حتى الآن أي دليل على استخدام الأنفاق المزعومة، أو على وجود أسلحة أو أي معدات حربية في تلك الأنفاق، وبالتالي لا يمكن اعتبار وجود تلك الأنفاق عملاً حربياً، كما لا يمكن مقارنتها بخرق الطائرات الحربية الإسرائيلية للأجواء اللبنانية، وهي محملة بالأسلحة الثقيلة، بشكل متكرر ومكثّف.
ــــ ثالثاً، إن جزءاً من المنطقة التي تزعم «اليونيفيل» وجود نفق فيها، جنوبي الخط الأزرق، يقع في إحدى «مناطق الحدود المتنازع عليها أو غير المؤكدة» التي ذكرها القرار 1701 (الفقرة 10). إشارة إلى أن الجيش اللبناني يعتبر تلك المناطق لبنانية، من فوق الأرض ومن تحتها.
ــــ رابعاً، إن المنطقة التي تزعم «اليونيفيل» وجود أنفاق فيها هي منطقة عمليات عسكرية ومواجهات حربية مع العدو الإسرائيلي منذ عام 1947. لا يخفى على أحد أن المقاومين الفلسطينيين، في مرحلة سابقة، كانوا يعملون على حفر أنفاق باتجاه فلسطين المحتلة، وبالتالي، فإن أي حفرية في تلك المنطقة يرجّح أن يعثر معها على نفق أو بقايا أسلحة أو رفات مقاومين استشهدوا خلال المواجهات، أو غير ذلك من آثار الماضي.
ــــ خامساً، إن وجود نفق بين لبنان وفلسطين المحتلة لا يعد، بحد ذاته، خرقاً للخط الأزرق، ذلك لأن النفق هو مجرد وسيلة وليس فعلاً عدائياً أو هجومياً. النفق مثل الطريق التي شقت سابقاً بين جنوب لبنان والجليل، حيث إن عبور المقاومين يمكن أن يتم من تحت الأرض من خلال الأنفاق، ومن فوق الأرض من خلال تلك الطريق، فهل تعدّ كل الطرقات التي شقت في السابق بين لبنان وفلسطين خرقاً للقرار 1701؟
تدريبات إسرائيلية أميركية
«لم نتدرب على القتال في الأنفاق منذ حرب فيتنام». هذا ما قاله المقدم في الجيش الأميركي، ماركوس ماينز، خلال التدريبات الأميركية الإسرائيلية المشتركة، التي جرت في آذار الفائت في موقع «تزيئيليم» العسكري (جنوب فلسطين المحتلة). لذاك التصريح (الذي نشره موقع «ذي تايمز أوف إسرائيل» يوم 13 آذار الفائت) رمزية خاصة، إذ تُعدّ حرب فيتنام (1955 – 1975) أشبه بكابوس بالنسبة إلى الجيش الذي يعد الأقوى والأكثر تطوراً في العالم. تمكن الفيتناميون من تحرير بلادهم وقتل وجرح عشرات آلاف الجنود الأميركيين الغزاة، خلال حرب دامية استمرت عشرين عاماً. بفضل الأنفاق، وأشهرها تلك التي حفرت في منطقة «كو تشي» حيث بلغ امتدادها أكثر من 120 كيلومتراً تحت الأرض، باغت الـ«فيت كونغ» الغزاة. انتشر الرعب في صفوف الجيش الأميركي، وهذا ما دفعه إلى ابتكار تدريبات خاصة للقتال في الأنفاق. غير أن تلك التدريبات، وكل محاولات التسلل إلى داخل الأنفاق، في ظل القصف الجوي (بواسطة طائرات ب 52) العنيف الذي استهدف الأنفاق بآلاف الأطنان من المواد المتفجرة، لم تفلح في إيقاع الهزيمة في صفوف الـ«فيت كونغ». تحولت المنطقة إلى أرض محروقة بواسطة قنابل «النابالم» والفوسفور المحرمة دولياً. كل ذلك، ولدى محاولة الأميركيين التقدم، واجههم المقاومون الذين خرجوا من تحت الرماد ليدافعوا عن أرضهم ويطردوا الغزاة.
اعتراف خبيرة من «هرتزيليا»
وضعت الخبيرة الإسرائيلية في معهد «هرتزيليا» دافني ريشموند باراك كتاباً بعنوان «حروب تحت الأرض» (Underground Warfare) – صدر عن دار «أوكسفورد» الجامعي. توقعت باراك، صراحة، أن حفر الأنفاق سيزيد خلال السنوات القادمة، وأنه لن يقتصر على المناطق الريفية، بل سيشمل كذلك المدن والمناطق المكتظة بالسكان (المستوطنين). كذلك اعترفت بالتأثير العميق الذي تحدثه الأنفاق في نفوس الذين يواجهونها، أي نفوس الإسرائيليين أنفسهم، حيث تناولت موضوع القلق من وصول الأنفاق إلى البيوت والتجمعات السكانية/ الاستيطانية. أوصت باللجوء إلى البحث والرصد، وإلى الاعتماد على «التعاون» مع الجهات «الصديقة» لكشف الأنفاق وتدميرها. تابعت الخبيرة الصهيونية قائلة: إن الأدوات والتجهيزات الإلكترونية الخاصة برصد الأنفاق واكتشافها لن تكون كافية لتحديدها وإحصائها بالكامل، وبالتالي تبرز الحاجة إلى الاعتماد على جمع المعلومات الاستخبارية واختراق الجهات الضالعة في عملية حفر الأنفاق.
اللافت في كتاب باراك تسليمها بأن تعطيل الأنفاق يوازي صعوبة اكتشافها. فبحسب الخبيرة الإسرائيلية، إن جرّ المياه والاسمنت والغاز إلى الأنفاق المكتشفة، أو تلغيم مداخل تلك الأنفاق وتفجيرها، قد لا يؤدي إلى تدميرها. أما تسلل الجنود إلى داخل الأنفاق فيشكل خطراً بالغاً على سلامتهم وحياتهم. توصي باراك، بالتالي، بالتركيز على التعاون الدولي والعمل الاستخباري لمواجهة خطر الأنفاق على الكيان العبري.
خصصت الكاتبة جزءاً وافراً من كتابها للجانب القانوني، حيث خلصت إلى أن حفر الأنفاق من قبل الجهات المتنازعة لا يشكل بحد ذاته مبرراً قانونياً لشن حرب (Jus ad bellum)، لأنه لا يعدّ بحسب القانون هجوماً مسلّحاً. غير أن الخبيرة الإسرائيلية تناولت في كتابها الحق القانوني المزعوم للجيش الإسرائيلي في الرد على حفر الأنفاق بشكل متناسب. بكلمات أخرى، تبرر باراك، قانونياً، لعملية عسكرية إسرائيلية محدودة تهدف إلى التخلص من الأنفاق (بالرغم من إقرارها بعدم الجدوى من ذلك كما ذُكر آنفاً)، لكن مع التنبّه إلى عدم تدحرج الأمور الى حرب واسعة النطاق.
بالمناسبة، كان العدو الإسرائيلي تنبّه إلى استخدام المقاومين الفلسطينيين الأنفاق، التي حفروها في أرضهم لمواجهة الاحتلال، وهو يدّعي اليوم أنه اكتشف أنفاقاً يزعم أنها تابعة لحزب الله في شمال فلسطين المحتلة. أطلق الجيش الإعلامي الإسرائيلي والمؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية المتواطئة معه، حملة تتهم المقاومة في لبنان بخرق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 وبانتهاك «سيادة» زائفة للإسرائيلي على أرض فلسطين، علماً أن أي اعتراف لبناني بتلك «السيادة» الزائفة هو منع لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي قبول ضمني بتجنيسهم في لبنان.