لم يتأخر مجلس الأمن الدولي في إعلان رفضه، بعد أقل من 15 يوما على اجتماع الحكومة الاسرائيلية، وللمرة الاولى في الاراضي السورية المحتلة، تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن مرتفعات الجولان المحتل ستظل الى الابد تحت سيطرة اسرائيل، علما أنه طوّر موقفه بإعلانه من موسكو بعد لقائه الرئيس فلاديمير بوتين الموقف نفسه، مصرّا على أن الهضبة ستبقى تحت سيطرة اسرائيل، سواء كان ذلك في إطار اتفاق أو لا اتفاق. وقد أكد أعضاء المجلس أن وضع الجولان يبقى من دون تغيير، وفق ما أشار اليه المندوب الصيني لدى الامم المتحدة بصفته رئيس الدورة الحالية للمجلس، موضحا أن قرار اسرائيل فرض سلطتها الادارية والقضائية والقانونية في الجولان “ليس له أي أثر قانوني دولي”، عملا بقرار لمجلس الامن يعود الى عام 1981. وهذا يعني أن مجلس الامن لم يقبل بموقف اسرائيل من الجولان ولم يعترف بما أقدمت عليه في الاصل من أجل أن يقبله راهنا، مكررا ضرورة إجراء مفاوضات لإحلال السلام في المنطقة. إلا أن ثمة رسالة من خلال مسارعة المجلس الى تبني هذا الموقف أو عدم معارضته، بناء على دعوة من فنزويلا مدعومة من مصر، وهي متعددة الوجه وفق رأي مراقبين ديبلوماسيين، على رغم انه امر لا يمكن استبعاده من فنزويلا باعتبارها دولة أقرب الى بعض الدول العربية وقضاياهم، ولا يضع المسألة في خانة الدول الدائمة العضوية. إنما أبرز أوجه هذه الرسالة قد يكون يتمحور حول موضوع المفاوضات السورية في جنيف. والواقع أن هذه المفاوضات شارفت الانهيار في الجولة الاخيرة قبل أيام، في ظل كباش واضح يدفع بروسيا الى تولي الاعلان عن موعد الجولة التالية من المفاوضات، على أن تكون في 10 أيار المقبل مستبقة أي خطوة للمنسق الدولي للازمة السورية ستافان دوميستورا في هذا الإطار، والذي كان دعا الى اجتماع للدول الكبرى المؤثرة من أجل وقف انهيار المفاوضات، ومع ذلك، فإن الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة، يهمها ألا يعرقل الموقف الاسرائيلي المفاوضات. إذ إن موضوع الجولان يمكن أن يشكل ذريعة للنظام من أجل التركيز على بند الجولان في أي اتفاق، كما قد يكون ايضا مبررا وذريعة بالمقدار نفسه للمعارضة السورية حول النقطة نفسها، انطلاقا من أن لا خلاف بين الجانبين السوريين على هذه النقطة، في حين أن الامر قد يربك الدول الكبرى التي قد تطلب منها ضمانات اضافية على رغم اعلانها مواقف رافضة لموقف نتنياهو كل منها على نحو منفرد. وبغض النظر عن إمكان نجاح المفاوضات السورية في جنيف او الآمال غير الكبيرة المعلقة عليها، فإن ذلك لا يعني أنه يمكن الولايات المتحدة أو روسيا الاستغناء عن استمراريتها، على رغم المواقف المتشجنة التي تبديها روسيا علنا منذ بعض الوقت ازاء المعارضة السورية التي انسحبت قبيل الجولة الاخيرة، اعتراضا على استئناف النظام عملياته العسكرية ضدها وضد المدنيين وعزم موسكو على التخلي عن المعارضة غير الموالية لها او للنظام، الى جانب نية إدخال أسماء تنظيمات جديدة تحت تصنيف الارهاب. وليس من مصلحة روسيا سقوط العملية السياسية، باعتبار أن ذلك سيعني حتما انخراطها قسرا في الحرب مجددا، وهو أمر لن يكون لها قدرة على تحمله خصوصا في ظل اعتراض وقلق تبديهما من ارسال الولايات المتحدة 250 عنصرا اميركيا الى سوريا. ومخاوف روسيا من غرقها في المستنقع السوري وتكرار تجربة افغانستان واضحة للعيان في هذا الاطار. في حين انه لا يناسب الرئيس الاميركي باراك اوباما انهيار وقف الاعمال القتالية، وهو أبدى قلقا من ذلك، ولعله يود وفق رأي المراقبين تمرير ما تبقى له من ولايته من دون مشاكل تأتيه من سوريا، لكنه أبدى حرصا على وجوب الضغط من أجل عودة المفاوضات، مشيرا الى ان الولايات المتحدة تستطيع الضغط على روسيا وايران من أجل ذلك. ويمكن الموقف الذي اعتمده مجلس الامن أن يستقطب الجانبين السوريين المعنيين بالمفاوضات في جنيف ويدرج في اي نص يتفق عليه، من دون ان يعني ذلك ضرورة وجود اي وهم بان المفاوضات قد تفضي الى حلول جدية في المدى المنظور او ابدا.
وبهذا المعنى، فإن الموقف الذي اعتمده مجلس الامن يؤشر على الارجح لرغبة في عدم انهيار المفاوضات في جنيف، علما أن له أبعادا أخرى أيضا. ففي رأي المراقبين انفسهم، يفترض بهذا الموقف أن يلجم رئيس الوزراء الاسرائيلي وطموحاته، خصوصا أن الولايات المتحدة كانت أبلغته رفضها موقفه من توسيع المستعمرات وضم أراض جديدة تحتلها اسرائيل، وثمة خلافات قامت مع ادارة اوباما على هذا الاساس. وواشنطن كانت من اول الذين سارعوا الى رفض ما اعلنه نتنياهو، انما صدور موقف موحد من مجلس الامن تشكل الولايات المتحدة جزءا منه يعني ان لا تغطية محتملة لاسرائيل من جانب اميركا، المعنية على نحو بديهي بالدفاع عن اسرائيل في اي امر مماثل، وهي لن تدعمها في قضم أراض محتلة، كما أنها لن تدافع عنها وتقف الى جانبها. وهو ما يفترض ان يضع حدا لتمادي نتنياهو في هذا المنحى من حيث المبدأ، لكونه استدرج مواقف دولية فردية وموقفا جامعا يرفض ما ذهب اليه.