خرج تقرير مجلس الأمن عن سياق نصّه المعتاد بتعداد انتهاكات القرار الدولي 1701. ركّز هذه المرة على «حزب الله» وأضاف إليه جهات وفصائل أخرى اتهمها بانتهاك «الخط الأزرق»، ووصفها بأنّها جهات مسلّحة تستخدم السلاح خارج نطاق الدولة، مطالباً بوضع حدّ لها. لم يُدِن إسرائيل مباشرة، بل اكتفى باتهامها بانتهاك «الخط الأزرق»، محذراً من أنّ استمرار المواجهات في الجنوب سيكون له انعكاسه السيئ على المنطقة بأسرها.
أصدر مجلس الأمن تقريره المتعلق بتنفيذ القرار 1701 في ست وعشرين صفحة، لم يفوّت صغيرة أو كبيرة إلا تحدث عنها، مفصلاً الوضع اللبناني بكل مندرجاته، من الرئاسة المعطّلة إلى عمل مجلس النواب الذي فتح أبوابه للتشريع بينما لم ينتخب رئيساً بعد، إلى عمل الحكومة ورئيسها وتعيين رئيس أركان وما رافقه من سجال سياسي… من دون أن يغفل الحديث عن تخلّف لبنان عن اتخاذ معظم الاجراءات الأساسية اللازمة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. مضبطة اتهام بالتقصير والتخلّف عن القيام بخطوات سياسية من شأنها أن تؤمّن الاستقرار في البلد لفترة طويلة.
أمّا على مستوى الوضع العسكري في الجنوب، فقد قدّم التقرير تقييماً شاملاً لتنفيذ القرار الدولي 1701 منذ تشرين الأول الماضي إلى شباط، فلاحظ تكثيف إطلاق النار عبر «الخط الأزرق» واتساع نطاقه الجغرافي في خرق وقف الأعمال العدائية وانتهاك القرار، وأنّ عمليات القصف طاولت عمق الأراضي اللبنانية والإسرائيلية.
وأعرب التقرير نصف السنوي عن بالغ القلق حيال استمرار الخروق عبر «الخط الأزرق»، متحدثاً عن تبادل إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل «والجماعات المسلحة الأخرى غير التابعة للدولة»، ما يؤثر على السكان المدنيين على جانبي الحدود ويشكل تهديداً للبنان وإسرائيل والمنطقة بأسرها، وحض جميع الأطراف على التزام تنفيذ القرار 1701، ناصحاً بالاستفادة من السبل الديبلوماسية لتجنّب المزيد من التصعيد.
كما تطرق بإسهاب الى الخروق، مستعرضاً العمليات العسكرية التي شملت لبنان وإسرائيل من دون أن يفوته التحدث عن انتهاك القانون الدولي الإنساني، كما لحظ استخدام أسلحة غير مأذون باستخدامها، وأهاب بالدولة اللبنانية اتخاذ الإجراءات اللازمة حتى لا يكون هناك سلاح خارج الدولة.
دان الانتهاكات للسيادة اللبنانية، ودعا المسؤولين الى انتخاب رئيس للجمهورية، وأسف لعدم إحراز تقدم في شأن مزارع شبعا، طبقاً لما ورد في الفقرة العاشرة من القرار 1701 مع التركيز على المطالبة بمعاقبة المتسببين بإصابة مقارّ «اليونيفيل» وإلحاق الضرر بجنودها.
لكن ما خرج به التقرير للمرة الأولى هو تفنيده الأطراف التي تقوم بشنّ عمليات عسكرية من الجنوب، فتحدث عن العمليات التي شنتها حركة «أمل» وسقوط 11 من عناصرها، وحركتا «حماس» و»الجهاد الإسلامي» الفلسطيني وسقوط 25 من عناصرهما. وفي أكثر من فقرة تكرر انتقاد السلاح غير الشرعي بصورة مضاعفة عن التقارير الماضية.
والمهم في التقرير الذي هو عبارة عن انتقادات واسعة تقدّم بها مجلس الأمن في حق لبنان واتهامه بالتقصير، وما يتضمّنه من سرد مفصل لانتهاكات القرار الدولي 1701، أنّه يشكّل مرجعاً يبنى عليه في الموعد السنوي للتجديد لقوات الطوارئ العاملة في لبنان. وأن يتوقف التقرير عند ذكر الاعتداءات بتفصيلها مغلّباً كفة العمليات التي يقوم بها «حزب الله» في مواجهة إسرائيل على معدل الاعتداءات التي تشنّها إسرائيل، فهذا يعني أنّ المطلوب إحكام الطوق حول لبنان وإدانته واتهام الدولة اللبنانية بأنها لم تقم بخطوات لمعالجة السلاح غير الشرعي والذي تدرج سلاح «حزب الله» ضمنه.
يساوي التقرير بين الضحية والجلاد فلا يتحدث عن احتلال إسرائيل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، بل يقول إنّ مزارع شبعا لم يُحسم أمرها بعد من قبل إسرائيل وسوريا لتقديم رديهما على التحديد الموقت لنطاق المزارع، كما ورد في تقرير الأمين العام في تشرين الأول من عام 2007.
وفي التحليل الديبلوماسي لمضمون التقرير وما أتى على ذكره، فإنّ مكمن الخطورة فيه يندرج في ناحيتين: أن يشكّل مضمونه مرتكزاً لنقاشات التمديد للطوارئ في الجنوب اللبناني، والتي صار عملها ضمن نطاق الخطر، وأن يُعدّ مرجعاً متى أرادت الدول الأعضاء تقديم اقتراحات لعقوبات يتم الاعداد لها في أميركا ودول أوروبية خاصة مع نهاية عهد الرئيس الأميركي جو بايدن واحتمال انتخاب دونالد ترامب مجدداً، ما يعزّز اتخاذ خطوات تصعيدية وفرض حزمة عقوبات على أحزاب وجهات تم الحديث عنها في التقرير إلى جانب «حزب الله».