يبدو مِن رفض الكيان الاسرائيلي لقرار مجلس الامن الدولي الذي صدر يوم الاثنين، والقاضي بوقف اطلاق النار في قطاع غزة على ان يتحوّل لاحقاً الى وقفٍ دائم بعد اطلاق سراح الاسرى، انّ القرار وهدنة غزة سيبقيان مع وقف التنفيذ حتى تستنفد حكومة الحرب الاسرائيلية كل أهدافها التي عجزت عن تحقيقها خلال الاشهر الستة الماضية، ما يعني ان لا هدنة او تهدئة في جبهة الجنوب اللبناني والجبهات الاخرى.
فشلت كل محاولات التهدئة في الاقليم مع استمرار التصعيد العسكري، من سوريا الى اليمن مروراً بفلسطين، حيث استمرت العمليات العسكرية وآخرها فجر أمس الغارة الاميركية على أهداف في شرق سوريا، وبَدا واضحاً من سياق المواجهات التي جرت خلال الايام القليلة الماضية في جنوب لبنان انّ طرفيها الاسرائيلي واللبناني لن يتراجعا عن المواجهة ما لم تتوقف المواجهات في غزة. فكل تصعيد يجرّ تصعيداً، وهكذا حصل بالغارات الاسرائيلية على مناطق في بعلبك والبقاع الغربي قبل ايام، وعلى منطقة الهرمل وسهل بعلبك – بوداي أمس، والردود العنيفة من المقاومة التي استهدفت مجدداً أهدافاً استراتيجية اسرائيلية امس، كقاعدة «ميرون» الجوية التجسسية، و»ثكنة يردن» في الجولان السوري المحتل، وهي مقر القيادة الرئيسي في زمن الحرب. عدا ثكنات عسكرية اساسية وتجمعات للجنود في مواقع عند الحدود مقابل الجنوب.
لم يحجب امتناع الولايات المتحدة الاميركية عن التصويت سلباً او إيجاباً على قرار مجلس الامن الغضب الاسرائيلي، حيث كانت حكومة نتنياهو تتوقّع استخدام حق النقض «الفيتو» ضد القرار كما أعلن مسؤولوها، وجاء التبرير الاميركي غير مقنِع لإسرائيل، فأعلنت استمرار الحرب في غزة وفي الجبهات الاخرى كالضفة الغربية وجنوب لبنان، وهو الامر الذي سيمتد الى كل دول الاقليم.
ولعل الموقف الاميركي بالامتناع كان بمثابة نوع من «الضغط اللطيف» على اسرائيل لتلتزم بما تريده الادارة الاميركية من وقف اطلاق النار المؤقت في غزة ومن تبريد الجبهات الاخرى التي أنهَكتها، لكن التمرد الاسرائيلي على الادارة الاميركية استمر سياسياً وعسكرياً، الامر الذي سيؤدي الى مزيد من العقبات امام اي حلول او محاولات تهدئة لاحقاً، برغم الكلام عن انّ المفاوضات التي جرت في العاصمة القطرية والعاصمة المصرية من اجل تحقيق هدنة في غزة ستستأنف لاحقاً بعدما فشلت هي الاخرى مراراً.
ما يعنينا في لبنان هو مواصلة الجهود العربية والدولية لمعالجة المشكلات والازمات الاخرى القائمة، الى جانب حل اشتعال الجبهة الجنوبية المتأخر نتيجة استمرار حرب غزة، كمشكلة رئاسة الجمهورية. واذا كانت صحيحة المعلومات عن ان الجهود حول الاستحقاق الرئاسي ستتجدد في النصف الثاني من نيسان، فهذا يعني ان الاسابيع القليلة المقبلة ستحمل مزيداً من المواجهات والتوترات سواء على مستوى المواجهة العسكرية في الجنوب او على المستوى السياسي الداخلي حيث تصاعدت حدة المواقف السياسية، وحيث تتعثر محاولات بكركي لجمع القيادات المسيحية على امر واحد وقرار واحد يخفف التشنجات والحملات والاتهامات المتبادلة في الساحة المسيحية حول تعثر الحلول، فيما الحكومة تبحث عن «فلس الارملة» لتغطية نفقات الزيادات والتقديمات لموظفيها.
وفي السياق، تؤكد مصادر رسمية انه طالما الحلول الاقليمية متعثرة، فما بوسع لبنان سوى الانتظار وتخفيف الخسائر الداخلة قدر الامكان. وتقول المصادر لـ»الجمهورية»: طالما أن لا مواعيد لزيارات الموفدين الغربيين الاميركيين والاوروبيين الى بيروت لطرح اي مقترحات جدّية جديدة حول الاستحقاقين الرئاسي والجنوبي، فهذا يعني ان لا حلول على المستوى الاقليمي، وسيبقى وضع لبنان على ما هو عليه كساحة انتظار للتطورات المقبلة، وساحة تصفية حسابات وتبادل رسائل بالحديد والنار، الى جانب ساحات اخرى باتت مشابهة بهدف تبادل الرسائل، وحيث لا مؤشرات على اي تقدم قبل انتهاء حرب غزة.
وثمة من يعتقد انّ احدى الرسائل النارية توجهها اسرائيل الى الادارة الاميركية، عبر تصعيد عدوانها وتوسيعه على لبنان، برغم علمها انّ واشنطن ضد هذا التوسع الذي يهدد بتوسع الحرب الاقليمية، وكرد على محاولات الضغط عليها للتخفيف من اندفاعة عدوانها التدميري التهجيري التجويعي على غزة. وإلّا ما معنى استهداف الهرمل امس، والبقاع الغربي قبل الامس وبعلبك والضاحية الجنوبية قبل ذلك، سوى التفلت من كل القيود الاميركية، وهي تردّ أصلاً على استهداف المقاومة لمواقعها برد عنيف تدميري على قرى الجنوب وباغتيال مقاتلي المقاومة وكوادرها؟