بعد طي صفحة المواجهة الداخلية في الشارع، دخلت الساحة مرحلة جديدة من الإشتباك السياسي، والقائم على رسم خطوط تماس سياسية بين فريقي السلطة الأساسيين، لا تمنعهما من شنّ الحملات الكلامية والإعلامية، كما أنها لا تحول دون التقائهما عند نقطة جامعة هي الوحدة الوطنية أولاً، والتضامن الحكومي ثانياً. وعلى الرغم من عمق المأزق الداخلي وخطورة الوضع الإقتصادي، فإن أوساطاً نيابية مطّلعة، لاحظت أن البتّ في الإستحقاق الرئاسي ما زال بعيداً، وهو ما كرّسته وقائع الجلسة أل36 الأخيرة، والتي رهنت الإنتخابات الرئاسية بما لا قدرة لكل القوى المحلية على إنجازه، وهو الوصول إلى التوافق الشامل على كل المستويات إقليمياً ولبنانياً.
وقالت هذه الأوساط النيابية، أن الأزمة الداخلية، قد بلغت مرحلة غير مسبوقة من حيث التعقيد على خلفية الصراع السعودي ـ الإيراني، حيث أن إعلان وزراء الداخلية العرب في تونس أن «حزب الله» هو منظّمة إرهابية بعد قرار دول مجلس التعاون الخليجي اعتبار الحزب إرهابياً أيضاً، قد فرض أمراً واقعاً جديداً داخل الحكومة، وذلك على الرغم من تحفّظ الوزير نهاد المشنوق. وأوضحت أن النقاش انطلق فعلياً على الساحة السياسية حول طريقة مواجهة الإجراءات الخليجية التي تصل إلى مستوى الحصار العربي لكل اللبنانيين على حد سواء، كون هذه الإجراءات لا تستهدف فريقاً معيّناً. وأضافت أن هذا الواقع الجديد يطلق مرحلة سياسية مختلفة عن كل المراحل السابقة بعدما تبدّلت الظروف المحيطة بالإستحقاق الرئاسي، لا سيما مع تلويح بعض الأطراف السياسية المستقلة بضرورة الذهاب إلى خيارات رئاسية جديدة كخيار المرشّح التوافقي، وذلك نتيجة انسداد الأفق أمام المبادرات الرئاسية الراهنة. لكن هذه القراءة تصطدم بأكثر من حاجز، كما تحدّثت الأوساط النيابية التي وجدت أن المشهد السياسي بشكل عام، وليس فقط الإستحقاق الرئاسي، قد بات خاضعاً لأكثر من معادلة محلية وإقليمية استجدّت في الأسابيع الماضية، وأبرزها المعادلة الأمنية في ضوء التوتّر المذهبي الناشئ ولو تراجع بعض الشيء في الساعات الماضية.
وأكدت الأوساط ذاتها، أن المحاور الإقليمية قد وضعت الساحة اللبنانية أمام مرحلة جديدة بعد التصعيد السعودي والخليجي ضد «حزب الله»، وبالتالي، فإن هذا التأزّم الذي أصاب الإستحقاق الرئاسي، وتسبّب بالمراوحة الحالية لكل المبادرات التي أطلقها فريق الرابع عشر من آذار أصاب أخيراً الحكومة، ولو أنه لم يؤدِّ إلى تعليق أعمالها كما كان البعض يتوقّع منذ بدء الإجراءات الخليجية ضد لبنان. وسألت الأوساط، عن ردود الفعل التي بدأت تصدر في الساعات الأخيرة إثر المواقف الصادرة بالأمس من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، لافتة إلى أن سيطرة خطاب التهدئة قد نجح في تفادي أي ترجمة للكباش في الشارع، ولكن ذلك لا يكفل استمرار التهدئة لفترة طويلة. واعتبرت أن الحوار المباشر الذي سيستكمل بعد أسبوعين بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، سيتطرّق حكماً إلى القضايا الحسّاسة بينهما، لأنه لم يعد في قدرة أي من الطرفين التراجع إثر المواقف المعلنة منذ عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت. وتوقّعت بالتالي، جولة جديدة من السجالات الحامية ما بين الفريقين التي ستفرض نفسها بقوة كطبق أساسي على طاولة هذا الحوار المرتقب.