Site icon IMLebanon

معادلتان أمنيتان… وحوار طويل

شهدَ الأسبوع الفائت نموذجَين من الأعمال الأمنية التي يُتوقّع أن تُمثّل المعادلة التي ستحكم الواقع الأمني مستقبلاً: النموذج الأوّل كان التفجير الانتحاري المزدوج في «جبل محسن»، والثاني إنهاءُ وزارةِ الداخلية غرفة العمليات الإرهابية داخلَ سجن رومية.

أظهرَت التحقيقات الأوّلية صِلةً بين العملية الانتحارية في طرابلس وبين بعض روّاد المبنى «ب» الذين نُقِلوا وجُرِّدوا من «امتيازاتهم». لكن هذا ليس كلّ شيء. ثمَّة مستجدّ في أداء تيار «المستقبل» وقراره، وترجمة عملية لخطاب الرئيس سعد الحريري في «بيال» في شباط من العام الماضي، ويبدو أنّ الخطوة التي أقدمَ عليها وزير الداخلية نهاد المشنوق تأتي في سياق «الطلاق» النهائي بين قيادة «المستقبل» والمجموعات المتطرّفة.

في الأعوام الثلاثة الماضية، وعقبَ خروج الحريري من الحكم، وتزامُن التطوّرات الداخلية مع الزلزال الذي يضرب المنطقة، نمَت وترعرعت في بيئة «المستقبل» ظواهر وحالات سَلفية متشدّدة بدت في لحظةِ وهَن وضعفٍ وانقسام، عَصيّةً على الكسر والاقتلاع. لكنّ التطوّرات العسكرية والسياسية التي حدَثت عام 2014 وأفضَت إلى تأليف حكومة «المصلحة الوطنية»، فرضَت نفسَها شراكة سياسية وأمنية لـ»المستقبل».

تأكّدَت هذه الشراكة والمسؤولية في محطات عدّة، منها معركة الجيش ضد معاقل التكفيريين في طرابلس. يومها كان موقف الحريري وتيّاره حاسماً في كسب المعركة وإنهائها لمصلحة الجيش، ما استَدعى إشادات سياسية كان أبرزَها إشادة الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله بمواقف الحريري وتيار «المستقبل»، وهذا ما فتحَ أبوابَ الحوار بين الطرَفين وعزلَ الحالات الإرهابية وسهّلَ إمكانَ القضاء عليها بتوافق سياسي يترجَم زخماً أمنياً.

بعد التفجير الإرهابي في «جبل محسن»، اتّضحَت أكثر حال العزلة التي يعيشها المتطرّفون، وتأكّدَ للجميع أنّ رفع «المستقبل» الغطاءَ عن هذه الحالات يُسهّل ضربَها ومحاصرتَها لأنّها تفقد البيئة الحاضنة أو المتعاطفة. ولولا هذا المعطى المريح لكان احتواء تداعيات الهجوم الانتحاري على جبل محسن صعباً.

حالةُ الحوار وعملية التبريد الداخلية، لعبَت دوراً في إطلاق يد الدولة والمؤسّسات الأمنية بقرار سياسي واضح، وجاءت الذروة في تفكيك «غرفة عمليات» سجن رومية، والواضح أنّ هذه السياسة مستمرّة في موازاة «الحوار»، والعمل على خَلق مناخات مريحة تُعزّز جهودَ الجيش والأجهزة الأمنية في مواجهة الإرهاب.

فقدان البيئة السياسية الحاضنة أضعَفَ الجماعات المتطرّفة وأفقَدَها الهامش الذي كانت تعمل من خلاله، لكنّها كانت ولا تزال تعتمد أسلوب الخلايا النائمة والعمل السرّي، والأهمّ أنّ بعض المجموعات انتقلَ في ولاءاته من دوَل إقليمية الى دوَل أخرى، ومن جهات استخباراتية الى أجهزة أخرى، الأمر الذي يعني خضوعَها لأجندات هذه الجهات، وبهذا المعنى يمكن فهم طبيعة الاستهداف الذي ضرب جبل محسن أخيراً.

ل

ا شكّ في أنّ ثمّة متضرّرين من الحوار بين اللبنانيين، واختيار منطقة «جبل محسن» هو إطلاق نار مباشَر على هذا الحوار، واستدراج لفتنةٍ ظلّت مقيمة طويلاً في هذه المنطقة.

لا قدرة أمنية الآن على استهداف مناطق أخرى، وقد يكون منفّذو هذه الجريمة قد ضبَطوا جريمتهم على معطيات سياسية، من ضمنها «تراجع النفوذ السوري» في لبنان، وبالتالي استهداف منطقة محسوبة على سوريا، ومحاولة الدخول من هذه الثغرة لإطلاق النار على الحوار والمتحاورين في آن معاً.

المناخ السياسي القائم في البلد ساعدَ في احتواء مفاعيل العملية الإرهابية، وجاءت النتائج عكسية. فالإحاطة الشمالية والطرابلسية واللبنانية بجَبل محسن، أكّدَت متانة الواقع السياسي الحالي، وجدّية الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله»، وستنتج في المستقبل معطيات أمنية وسياسية مهمة من شأنها تعزيز الأمن اللبناني، وتحضير المناخات الداخلية لاستحقاقات سياسية وافدة وسريعة.