IMLebanon

الأمن أولاً.. على طاولة الحوار؟

كثُرت التسريبات حول الحوار المُنتظَر بين تيّار المستقبل وحزب الله، ولكن الطرفين المعنيين ما زالا يتكتمان على جدول وبنود وأولويات الحوار، وموعده.

يبدو أن الترتيبات اللازمة لإنجاح هذه الخطوة المهمة لم تُنجز بعد، وأن بعض النقاط المتعلقة بموضوعات الحوار، ما زالت موضع أخذ وردّ، الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من الوقت، قبل اعتماد الأجندة النهائية، وإطلاق صفارة بدء الحوار من قبل الرئيس نبيه برّي.

وعلى خلاف ما يُشيِّع بعض المغرضين والمتضررين من هذا الحوار، فإن التأني في الإعداد، وتركيز البحث على مختلف الجوانب والقضايا المتعلقة بالحوار، يُؤكّد مرّة أخرى، مدى حرص الطرفين المعنيين أولاً، والعرّاب صاحب الخبرة بطاولات الحوار، ثانياً، على توفير المناخات الضرورية لضمان وصول قطار الحوار إلى المحطة الرئيسية على درب التوافق حول الملفات الخلافية التي تعطّل الحياة السياسية، وأدت إلى هذا الشغور المُعيب في رئاسة الجمهورية.

ومن نافلة القول إن حصول أية انتكاسة على طاولة الحوار بين المستقبل والحزب، ستكون لها ارتدادات عنيفة على الوضع الداخلي، الذي يُعاني أساساً من إرباكات وتعقيدات سياسية وأمنية، لا تحتاج إلى مزيد من الشرح والتفصيل.

 * * *

الواقع أن الملف الأمني في البلد، وما يحيط به من اهتزازات وتحديات، وإرهاصات وتوترات عابرة للمناطق، يستحق أن يحتل سلم الأولويات على طاولة المستقبل والحزب، نظراً للأهمية المعلقة على الانفراجات الأمنية المتوقعة في أكثر من منطقة، في حال استطاعت مساعي رئيس مجلس النواب الإقلاع بالحوار بالزخم المنشود.

ورغم تعقيدات الخلافات السياسية، وتشعباتها المتضاربة، ما زال الأمن، هو المفتاح الأساس، لمعالجة الأوضاع المتوترة في البلد، وفي خلق الأجواء المناسبة لإنجاح أي حوار سياسي.

لا أحد يستطيع أن يقلل من تداعيات التدهور الأمني، على المسار السياسي في ظروف صعبة، وبالغة الدقة والتعقيد، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

 {{ تمّ تأجيل الانتخابات النيابية لمرتين متتاليتين، بسبب عدم إمكانية إجرائها في ظل الوضع الأمني غير المستقر، كما أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق، وهو المعني الأوّل بالأمن.

 {{ تعتبر القوى العسكرية والأجهزة الأمنية في حالة استنفار دائمة، لمواجهة وإحباط المخططات التخريبية، وحالات التفلت الأمني، المتنقلة بين المناطق، بوتيرة تهدّد أجواء الاستقرار الهش في البلاد.

 {{ تتعرّض عرسال وقرى بقاعية أخرى لاختبارات متكررة، في التصدّي للفتن المذهبية، كلما حصل حادث أمني، أو كلما دق كوز التوتر بجرة المذهبية، الأمر الذي يتطلب إحاطة متكاملة لإعادة أجواء حسن الجوار والتعاون والمصاهرة بين القرى السنية والشيعية في البقاع الشمالي.

 {{ دخول عناصر من «سرايا المقاومة» على خطوط التوتر السياسي والمذهبي في أكثر من منطقة، وخاصة في صيدا، وجاءت المعالجة السريعة لإشكالات الاشتباك بين عناصر من هذه السرايا ودورية «المعلومات» في عين الحلوة، لتؤكد مدى الحاجة إلى توافقات أمنية شاملة، تنزع ألغام الفتن والتوتير في الشارع الإسلامي خاصة.

 * * *

رُب قائل إن حصول التوافقات الأمنية لا علاقة له بالملفات الخلافية السياسية!

هذا صحيح.. ولكن الأصح أيضاً، أن حصول الانفراجات الأمنية المنشودة، من شأنه أن يُنفّس الاحتقان في الشارع، ويساعد على خلق الأجواء المناسبة لإخراج الدورة الاقتصادية من جمودها الحالي، كما يؤدي، بشكل غير مباشر، إلى عودة الحياة للحركة السياحية المعطلة منذ سنوات، فضلاً عن المساهمة في استعادة اللبنانيين ثقتهم بمستقبل البلد، الذي قاوم حروب السنوات السوداء في أواخر السبعينات وطوال الثمانينات من القرن الماضي، وبقي محافظاً على صيغته الوطنية، وعلى نظامه الديمقراطي، بخلاف ما يجري حولنا في أكثر من دولة عربية.

إن مقولة «أعطوني الأمن وخذوا ما يُدهش العالم» ما زالت صالحة للمرحلة الراهنة والأيام المقبلة، لأن اللبناني لا يطلب أكثر من الأمن والاستقرار، حتى يستطيع الانصراف للإنتاج والإبداع والاستثمار، سابقاً دولته في تأمين ضرورات الحياة العصرية، من كهرباء ومياه وضمانات اجتماعية وصحية وتربوية لإدراكه مدى عجز الطبقة السياسية في إقامة الدولة القادرة على القيام بالواجبات، والمقتدرة على مواجهة التحدّيات.

وكأني باللبناني، يقول للأطراف السياسية المعنية: أعطونا الأمن، وحافظوا على السلم الأهلي، وخذوا وقتكم في خلافاتكم السياسية، وفي نقاشاتكم البيزنطية!

 * * *

الأمن أولاً، هو الخطوة الأولى لترجمة «لبنان أولاً»، الشعار الذي رفعه الرئيس سعد الحريري، وأكد فيه تمسّك المسلمين بصيغة الشراكة تحت سماء الوطن الواحد، والدولة الواحدة!