«الأمور السياسية في لبنان تسير الى الخلف، وما يدعو الى الاطمئنان أن الأمور الأمنية تسير الى الأمام». هذا ما تراه بعثات ديبلوماسية كثيرة معتمدة في لبنان، والتي يكرر رؤساءها في خلال لقاءاتهم مع القيادات السياسية الاشادة بـ «الجهد الكبير والمحترف للاجهزة العسكرية والامنية، والتي استطاعت ان تفصل الى حد كبير بين الانقسام السياسي وبين السياق النوعي لعملها».
الثابتة التي تُردّد على مسامع المسؤولين في لقاءاتهم الداخلية والخارجية تتلخص أيضاً بأنه «عندما يقتنع اللبنانيون ان عليهم اختيار رئيس جمهورية وأن يصارحوا أنفسهم بالأمور كلها، يُنتخب الرئيس وينتهي الشغور، لأنهم الى الآن يتكلون على السعودية وايران لكي تختار الدولتان للبنان رئيساً، ويبدو أن هذا الاتكال مستمر الى مدى غير منظور، في حين أن الرياض وطهران غير قادرتين على الحدّ من تطوّر الاشتباك السياسي والديبلوماسي القائم بينهما، ومساحة الخلاف تتسع الى درجة دخول وسطاء إقليميين ودوليين على خط تقريب المسافات، مما يعني أن الملف اللبناني ليس له بصيص حضور في اهتماماتهما».
وهناك خشية جدية تعبّر عنها أوساط ديبلوماسية من حجم «الانحلال السياسي» الذي وصلت إليه الطبقة السياسية، «ففي الوقت الذي تبلغ فيه الملفات الكبرى كلها نقطة الحساسية الشديدة، نجدهم منغمسين في متابعة أمور شخصية والقيام بمراجعات حول مواضيع عادية. وتكفي الإشارة الى أن الوضع الذي شهد استنفاراً عالياً في الجنوب، حيث كانت الاحتمالات مفتوحة كلها على ان تتدحرج الى مشهد اوسع، ومع علم مكوّنات الطبقة السياسية كلها بأن الامور قد تنفتح على المواجهة في اعقاب اغتيال الشهيد سمير القنطار، تبين أن نحو تسعين بالمئة من هذه الطبقة غادرت لبنان لقضاء الأعياد في الخارج».
وتستشهد أوساط مطلعة بما تحدّث به احد الديبلوماسيين الغربيين في احد اللقاءات، حيث قال «كل الدول خائفة على لبنان في حين خلال عطلتي الميلاد ورأس السنة لم يبق أحد من المسؤولين في لبنان. يتكلون على الجيش والأجهزة الأمنية ويهملون إدارة البلد على المستوى السياسي وإشعار الناس بأنهم مهتمون بمصير الوطن، لا بل نجد أن البعض ينتج ما تسمّونه في لبنان زعراناً ليزداد العبء على القوى الأمنية في ملاحقة إنتاجهم».
تؤكد الاوساط أن «الثغرات الموجودة رهيبة، والدول الاخرى لأنها في وضع منظّم جداً يحدث عندها استرخاء تلقائي، لذلك نجد أنها تُستهدف من ثغرات بسيطة جداً، بينما في لبنان الثغرات كبيرة نتيجة المحيط المتفجر والاستهدافات المتنوعة، وما يمنع الكوارث هو حالة الجهوزية والاستنفار العاليين للمستوى العسكري والأمني التي تمتلك زمام المبادرة فتهاجم وتوقف في عمل استباقي يقدّره الجميع، بموازاة وعي الشعب اللبناني».
تعبّر الأوساط الديبلوماسية عن ارتياحها لكون «الوضع الامني صار أحسن ومحاولات إقامة إمارة في لبنان، سواء في الشمال او في صيدا او في البقاع الأوسط، فشلت وتعرضت لضربة قاصمة بعد تفكيك خلايا إرهابية كبيرة وليس خلية واحدة، اي تفكيك تنظيم إرهابي بحلقات متعددة قائم بذاته». وتلفت تلك الأوساط إلى أن الاجهزة العسكرية والامنية صارت في وضعية «هي مَن تهاجم وتوقف الارهابيين والمبادرة بيدها، وتعتمد اسلوب الاستئصال وانتقاء الهدف الذي يكسر ظهر أي مجموعة، وليس الانتظار لوقوع مواجهة، لأنه عندما يستخدم السلاح الثقيل في مواجهة الارهاب في الداخل يعني الاستئصال الأمني فشل، ولكن ما يدعو الى الارتياح أن الأجهزة اللبنانية في موقع الهجوم».
ورغم سوداوية المشهد الإقليمي ترى الأوساط «فسحة أمل كبيرة في لبنان نتيجة استمرار الحوارات بين الفرقاء السياسيين الاساسيين، والأهم فشل محاولات اللعب على الوتر المذهبي لإحداث بلبلة، وهذا بالدرجة الأولى يعود الى وعي الشعب اللبناني».