في الوقت الذي يستمر الغموض والتكهن سيدا الموقف فيما خص التطورات التي يمكن ان تشهدها الساحة اللبنانية في غضون الايام والاسابيع القادمة والمحكومة بسلسلة لاءات، في ظل السباق القائم بين مساعي التهدئة والتصعيد المتوقع، سرّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من تحركه عاقدا سلسلة من الاجتماعات الامنية والاقتصادية بهدف تطمين اللبنانيين الى الاوضاع بعد موجة الشائعات والتحليلات.
واذا كان الوسط السياسي قد تفاجأ من خطوة الرئيس الحريري، على ما يجمع عليه المتابعون، فان الايام التي تلت السبت بدأت بكشف ملابسات ما حصل يومها في السراي، بحسب مصادر تيار المستقبل، الذي حضر اليه رئيس الحكومة للمشاركة في مؤتمر حول القرصنة الالكترونية، قبل ان ينتقل الى مكتبه للقاء الموفد الايراني بناء لموعد سابق، فصله عن غذاء عمل كان ينتظر ان يجمعه بوزيرة الثقافة الفرنسية، الذي لم يكتب له ان يستمر حتى نهايته اذ غادره رئيس الحكومة متجهما بعد اتصال وصله، معتذرا عن اكماله.
كل ذلك وسط «نقزة» وعدم ارتياح في الفريق الامني التابع لرئيس الحكومة، تضيف مصادر المستقبل، وقلق ظاهر على وجه قائد سرية الحرس الحكومي، نتيجة احداث متتالية ثارت تساؤلات حول اهدافها ومغزاها، اذ تبلغ من قبل عناصر الحماية عن تعرض اجهزتهم الالكترونية للتشويش اكثر من ثلاث مرات، كان آخرها خلال توجه الحريري الى بيت مسك ما دفع بالمعنيين الى اتخاذ قرار بالعودة الى بيت الوسط وعدم اكمال الطريق، خاصة ان الشيخ سعد كان سبق وسمع تحذيرات من اوساط غربية تدعوه الى الحيطة هذه الفترة على حدّ قول مصادر المستقبل، الا انه لم ياخذها على محمل الجد، كما يروي مقربون منه.
مشهد يتابع مصدر دبلوماسي غربي كبير في بيروت اكمال صورته. ففي عشاء جمعه الى حلقة ضيقة من الاصدقاء في احد الضواحي الشرقية للعاصمة، بحضور شخصية مدنية عامة معروفة بعلاقاتها الوثيقة بالاجهزة الامنية اللبنانية، سأل الضيف الغربي عن خفايا ما بين سطور كلمات الرئيس الحريري خلال كلمته صباحا، لافتا الى احدى الجمل التي قرأها بترجمة حرفية، مستخلصا منها ان الشيخ سعد يتحدث عن خطر امني كبير محدق به، وهو ما قد يكون السبب في مغادرته، متوقعا ان يحمل معه يوم السبت اخبارا غير سعيدة للبنانيين قد لا تكون حدودها استقالة الحكومة.
تحليل وتوقع آثار دهشة الموجودين، وسط تأكيد احدهم ان لا معلومات جدية عن عمليات امنية او ارهابية قد تحصل في المدى المنظور بحسب التقارير الموجودة لدى الاجهزة الامنية المختلفة، مستفهمة عن سبب التحليل خصوصا ان الاجواء التي احاطت بعودة الشيخ من الرياض الاربعاء، والتي تبلغتها عين التينة صراحة كانت تؤكد على ان الاجواء ايجابية،وسائرة نحو الاحتواء.
عندها استرسل الضيف الغربي في الحديث طارحا جملة تساؤلات لعل ابرزها ما هو السبب الذي قد يكون اقنع السعودية بالعودة عن موقفها التصعيدي في غضون اقل من 24 ساعة، وهل فعلا باستطاعة الحريري قلب الاجندة السياسية للمملكة بهذه السرعة، علما ان الوزير السبهان يعبر صراحة عن مواقف ولي العهد الامير محمد بن سلمان وهو المرجع الصالح لتحديد بوصلة اتجاه الرياض، مستدركا بأن وزارة خارجية بلاده تبلغت تقارير عن ان الموفد الايراني سيطلق من بيروت مواقف متشددة وان طهران ليست في وارد التراجع امام محاولات بتحجيم دورها بعد ما حققته من مكاسب.
وعندما بادر احد الحاضرين الى قراءة رسالة قصيرة عن ان الحريري معتقل في المملكة، ضحك الضيف الغربي مؤكدا ان هذا الخبر لا يمكن ان يكون دقيقا لان العلاقة التي تربط بين ولي العهد والرئيس الحريري متينة، كما ان الملك سلمان يكن للشيخ سعد معزة وله عنده مكانة خاصة، فضلا عن ان لا ثقل او تاثير للرئيس الحريري في اللعبة داخل العائلة المالكة.
من جهتها نفت مصادر المستقبل ان يكون الحريري قيد الاقامة الجبرية او ان يكون معتقلا، كاشفة ان اتصالات غربية جرت بالحريري في مقر اقامته، كما تم رصد اتصالات بينه وبين مقربين منه في بيروت على مدار الساعة. امر يؤكد عليه المقربون من الشيخ سعد كاشفين ان الاتصالات مفتوحة على مدار الساعة مع بيت الوسط حيث يتواجد مدير مكتب الحريري والنائبة بهية الحريري متابعين اعمالهم كالعادة، وهم كانوا استقبلوا وزير الخارجية جبران باسيل وعقدوا خلوة معه بحثت في شؤون الساعة، وتابعت المصادر بأن ثمة محاولات لاستدراج الحريري للعودة الى بيروت وهو ما لن يحصل قبل التأكد من ان سلامة الحريري ليست في خطر.
واذا كانت المصادر قد اقرت بأن حزب الله لا يميل الى التصعيد راهنا في انتظار احتوائه للعاصفة تمهيدا للمبادرة في وقت لاحق، سألت كيف يمكن للحريري ان يكون موقوفا بتهم فساد في الوقت الذي يتحدث فيه الفريق نفسه عن افلاس مادي يعاني منه رئيس الحكومة منذ مدة، ملمحة الى اتصالات دولية جرت للتأكد من صحة المعلومات حول محاولة الاغتيال، معتبرة ان وزير الداخلية حسم هذا الموضوع.
في المقابل، رأت اوساط في الثامن من آذار ان رسالة الاطمئنان التي ارسلها امين عام حزب الله اربكت جبهة الحلف السعودي، داعية كل الاطراف السياسية الى التعامل بحكمة ومسؤولية وترك الامور واعطاء الفرصة للاتصالات الجارية للتهدئة، مبدية ثقتها التامة بالخطوات التي يتخذها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بوصفه صاحب الكلمة الفصل والمؤتمن على الدستور وآليات عمله، وكذلك على قدرة الاجهزة الامنية على الاستمرار في القيام بواجباتها.
وقد كشفت مصادر مطلعة على مجريات الاجتماع الامني في بعبدا عن اجواء من الارتياح سادت اللقاء نتيجة التقارير التي رفعها القادة العسكريون والامنيون والتي اجمعت على ان الامن ممسوك ومضبوط مشيرة الى ان القوى الامنية والعسكرية على جهوزيتها الدائمة كما كانت ولا تزال للتدخل عند اي طارئ داعية المواطنين الى عدم الاخذ بالشائعات والتحليلات، مشيدة بوعي الاطراف السياسية والقواعد الشعبية التي تعاملت مع الاحداث بحس وطني عال، معوّلة على حكمة الجميع لتمرير تلك المرحلة بأقل الأضرار الممكنة، معيدة التأكيد على ان الوضع الامني اليوم افضل بكثير من السابق فالاجهزة الامنية والعسكرية تتابع عملها تحت اشراف وقيادة رئيس الجمهورية بوصفه القائد الاعلى للقوات المسلحة والساهر على حماية الدستور، خاتمة بأن الدولة بكل اجهزتها تعمل تحت سقف القانون والدستور الذي يضمن ويصون حقوق جميع اللبنانيين بالتساوي فيما بينهم.