المواقف التي تصدر عن السفيرة الاميركية الجديدة في لبنان اليزابيت ريتشارد لافتة.. وهي مع جولاتها على المسؤولين اللبنانيين الذين تلتقي بهم، تبدي حرصاً واضحاً على طمأنة اللبنانيين لجهة ان «أمنهم واستقرارهم هو من أمن الولايات المتحدة» على خلفية ان «أميركا تريد ان تبقى الشريك الأمني الأول للبنان..»؟!
يتحفظ عديدون على هذه المعادلة، وهم يتساءلون أين تصرف هذه التطمينات وكيف ومتى.. خصوصاً وان الجميع يدرك ان أمن لبنان المستقر بحدود عالية، خلافا لسائر دول المنطقة، لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج قرار دولي – إقليمي – عربي – وبالأخير لبناني..
الواضح الى الآن، وبحسب المعطيات المتوافرة، ان لا مصلحة لأي دولة بجر الحريق في الجوار الى الداخل اللبناني، والدول الكبرى كافة (الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، بريطانيا والمانيا، إضافة الى المحورين السعودي والايراني) تتمسك ببقاء لبنان بعيداً عن مجريات الأحداث الاقليمية، التي أخذت طابع «الحروب الكونية» بالواسطة.
هو قرار دولي – اقليمي – عربي أخذ مجراه الى الداخل اللبناني، بفعل اقتناع الافرقاء المعنيين، بأن لا مصلحة للبنان، ولا لأي فريق فيه، بالاندفاع باتجاه تفجير الداخل، الذي عانى الأمرين في حروب داخلية منذ العام 1958 الى 1975 الى ثمانينات القرن الماضي..
حتى اللحظة، يسلم الجميع بدور المؤسسة العسكرية، التي يسجل لها قدرتها على البقاء بمنأى عن صراعات الداخل المحتدمة، والتي أخذت في مرات عديدة طابعاً طائفياً ومذهبياً.. وكذلك بالنسبة الى المؤسسات الأمنية الأخرى، مع فارق الدور بين الجيش والأمن..
لا ينكر عديدون، ان المطلوب من المؤسسة العسكرية، وسائر المؤسسات الأمنية، أكبر كثيراً من الامكانات المتوافرة لديها..خصوصاً، وان الدعم الذي يقدم، بين فترة وأخرى، محكوم بسقف لا يمكن خرقه بفعل التحفظات الاميركية والاسرائيلية.
يذكر الاميركيون، بين الفينة والأخرى، بالدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الى الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية.. وباعتراف السفيرة اليزابيت ريتشارد، فإن مجموع ما قدمته أميركا منذ العام 2005، أي منذ أحد عشر عاماً من مساعدات يبلغ ملياراً وأربعماية مليون دولار موزعة بين الجيش والقوى الأمنية.. وهذا في نظر مراقبين عسكريين استراتيجيين لا يوازي نقطة في بحر الدعم الذي تقدمه أميركا لإسرائيل، مع فارق ان لا تحفظات على أنواع الأسلحة التي تقدم للكيان الاسرائيلي، في حين ان السلاح والعتاد والدعم الذي يصل الى لبنان هو في غالبه من النوع الاستهلاكي، حيث لا طائرات، ولا صواريخ أرض – جو، ولا صواريخ أرض – أرض.. ولا شيء يمكن ان يشكل تهديداً لـ»إسرائيل» او يحدث معها أي توازن، هذا في حين ان معظم الحروب التي خاضها لبنان هي مع هذا الكيان؟!.
الواضح، ان الولايات المتحدة – التي تتحفظ وبقوة، على السلاح الموجود مع «حزب الله»، المصنف في جناحه العسكري «حركة ارهابية» – تنظر الى لبنان نظرة «الشريك الأمني الأول..» وعلى المستويات كافة..
في أكثر من مرة، طلبت الادارات المعنية من المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية تزويدها بقائمة احتياجاتها للسلاح.. وكانت قيادة الجيش تتعامل مع هذه المسألة بكثير من الجدية.. لكن سرعان ما تتبلغ من المعنيين الاميركيين استحالة تزويد لبنان بأنواع من الأسلحة الثقيلة والصاروخية، لاعتبارات عديدة من بينها الخشية من ان تقع هذه الأسلحة في أيدي «حزب الله».. والادارة الاميركية تعرف ان ما يملكه «حزب الله» من أسلحة متطورة للغاية، يفوق مئات المرات ما لدى الجيش اللبناني.. وفكرة حل «ميليشيا حزب الله» والحاقها بالجيش وتسليم السلاح للمؤسسة العسكرية، لم تبصر النور، فالحزب واصل مساعيه في تعزيز قدراته وامكاناته.. والمؤسسة على حالها، تتسلم بين سنة وأخرى مساعدات لا تشتري لها عدة دبابات؟!
ومع هذا، فإن مصادر عسكرية، تنظر بارتياح الى الدعم الاميركي، الذي لولاه، لكان الجيش يتنقل بين منطقة وأخرى على ظهور الجمال والبغال والحمير.. خصوصاً أكثر، ان الوعود التي تلقاها بدعم لافت لم تبصر النور لأسباب باتت معروفة لاسيما حملة «حزب الله» بغير المبررة على الدول الخليجية؟؟.. وفي هذا، فإن المصادر اياها وإذ تؤكد أهمية الدعم – وهو سياسي – أمني قبل ان يكون في السلاح والعتاد – فإنها لا ترى سبباً للتشكيك فيه في الوقت الحالي، وان كانت هذه المساعدات غير كافية لتوفير احتياجات الجيش في مواجهة المخاطر العابرة للحدود والتي تتمثل يومياً في حركة «الجماعات الارهابية – المسلحة» في جرود عرسال، وراس بعلبك والقاع، وغير منطقة، وهي حركة مرشحة للتوسع أكثر مع تنامي الخروقات في الداخل عبر ما يسمى بـ»الخلايا النائمة» من غير ان يعني هذا، غض النظر عن الحشودات الكبيرة لـ»حزب الله» على امتداد المعابر الحدود البرية اللبنانية – السورية، وتحديداً في البقاع الشمالي؟!
الأمن في الجنوب مضبوط بفعل «قوات الطوارئ الدولية»، على رغم الحراك الاسرائيلي اليومي والمعلومات المتداولة عن تحضيرات إسرائيلية لحرب جديدة مع «حزب الله» في لبنان. لكن الأمن في الداخل وعلى طول الحدود البرية موضع شك وارتياب، على رغم تمكن الأجهزة الأمنية من كشف العديد من الخلايا واعتقال العشرات، بل المئات من «الارهابيين».. الذين باتوا يشكلون تهديداً أمنياً واضحاً للعديد من الدول الاوروبية وغير الاوروبية، الأمر الذي يحتم تفعيل «الشراكة الأمنية» بين لبنان وهذه الدول، وتبادل المعلومات وتزويد الجيش والقوى الأمنية بالاحتياجات المطلوبة، بمعزل عن المخاوف التي يثيرها «حزب الله» عند البعض؟!