Site icon IMLebanon

مرجع أمني: تفجير الضاحية يتجاهل «التسوية» ويتجاوزها

لم يفاجئ التفجير المزدوج في برج البراجنة أيّاً مِن المراجع الأمنية، فقد كان متوقّعاً، باستثناء الهدف والتوقيت. وإن انعكسَ هلعاً في ساحة النجمة التي كانت تنفّذ «تسوية موقّتة» عبَرت بمشاريع القوانين الماليّة إلى الضوء، فإنّه لن يؤثر على ما تمّ التفاهم عليه، لأنّ مخاطرَه وتداعياته أكبر ممّا كان يحدث، كما يعتقد مرجع أمني. كيف ولماذا؟

عندما تلقّى مرجع أمني نبَأ التفجير الانتحاري المزدوج الذي وقع في برج البراجنة، لم يشكّل ذلك لديه أيّ مفاجأة، لا بل فقد أطلّ على المشهد برؤية واضحة لا يَشوبها أيّ زغَل. فقد حصل ما كان متوقّعاً في الشكل والأسلوب أياً كان الموقع المستهدف والتوقيت، فهو في الضاحية الجنوبية وليس في أيّ منطقة أخرى.

إكتفى المرجع الأمني بإعطاء التعليمات التي تقضي بتسهيل وصول سيارات الصليب الأحمر والإسعاف المنتشرة في الضاحية الجنوبية لتقليص عدد الضحايا، مع الحِرص على حماية ما تركته العملية من أدلّة تُلقي الضوء على التحقيق الجنائي والأمني والإستخباري كاملاً، وعندما اطمَأنّ إلى وجود نصف جثّة في مسرح الجريمة، اطمأنّ أكثر إلى إمكانية الإمساك بخيوط الجريمة في ظروف هي الفضلى.

في ذهن المرجع الأمني وبمعرفته، أنّ هناك مخططاً من هذا النوع اقتربَ المخطّطون من تنفيذه وهُم في مرحلة التنفيذ العملانية، وقد يتمّ ذلك بين لحظة وأخرى بالطريقة التي نفّذت به. وإن كان الاعتقاد بأنّ العملية الفردية الانتحارية هي الأكثر ترَقّباً فلأنّ القدرة على استخدام سيارات مفخّخة تدنَّت إلى الحدود الدنيا ولا يمكن للشبكات الإرهابية توفيرُها في الظروف الراهنة لألف سبب وسبب.

ففي التقارير الأمنية الموَثّقة معلوماتٌ تفصيلية عن أوكار التفخيخ وأنواع السيارات المحتمل استخدامها، وقد تمّ تفكيك بعضها ووضع البعض الآخر تحت المراقبة اللصيقة، وهو ما رجّح اللجوء إلى العمليات الفردية التي يمكن أن تَستخدم انتحاريين، على الأقل لقتلِ أكبر عدد ممكن من الأشخاص ونشرِ الهَلع في المناطق الأكثر اكتظاظاً وفي وقتِ الذروة، وهو ما يفسّر حصول العملية أمام فرن أو مركز تجمّع من أيّ نوع آخر.

كان واضحاً منذ اللحظة الأولى في ذهن المرجع الأمني أنّها لم تستهدف في توقيتها وموقعها أياً من الشخصيات والرؤوس المعرّضة للخطر الجدّي، وهي ليست كثيرة.

فالتدابير التي تَشهدها الضاحية الجنوبية تنمّ عن الاستعدادات للتعاطي مع أيّ جريمة مماثلة بطريقة استباقية ترفَع من نسبة الاطمئنان الى أنّ اغتيال شخصية محدّدة ليس أمراً سهلاً على الإطلاق مهما بلغَت الحِرفية بالمخططين والمنفّذين، فكلّ ما يحيط بعملية من هذا النوع محسوب بدقّة متناهية.

لكنْ، يضيف المرجع الأمني، إنّ المخاوف الجدّية كانت تنحو الى مكان آخر وسط النصحِ بتوفير الأجواء السياسية المناسبة لمنعِ إثارة الفتنة وضبطِها في الداخل اللبناني والإسلامي، وتحديداً على خلفية ما يحصل في سوريا. لئلّا تتوافر للإرهابيين ظروف التنفيذ الفضلى، ولا سيّما على مستوى انعكاسات وتردّدات أيّ جريمة من هذا النوع في أيّ منطقة أخرى من المناطق الحساسة على تخوم التوتّر المذهبي.

ويستطرد المرجع: لِماذا جاء التنفيذ في ظلّ الهدوء السياسي الذي عكسَه التفاهم على الجلسة التشريعية، فقدَ المخطّطون شيئاً ممّا كانوا يريدون تحقيقَه، لذلك سارعَت «داعش» إلى تسمية منفّذي العملية بهوياتهم الفلسطينية والسورية لشراء انعكاسات على تماس المخيّمات الفلسطينية في المنطقة وفي ظلّ النزوح السوري الكبير.

عِلماً أنّ التدقيق في هويات الانتحاريين لم يتوقّف عند ادّعاءات «داعش» بما اعلنَت عنه وكأنّها من المسلّمات. فيمكن ان تتكشّف حقائق أخرى حول هويات جديدة هي الأصحّ للإنتحاريين، وهي فرضية قائمة والعملُ جارٍ في هديِها.

وعليه، يُطمئن المرجع الأمني إلى أنّ التفجيران لن تكون لهما أيّ انعكاسات على التسويات السياسية لأنّها من التفاصيل الداخلية الممِلّة، ولأنّها تمّت على خلفية المماحكات الصغيرة بين اللبنانيين في مرحلة شراء الوقت.

فمِن الواضح أنّهم غير مستعدّين لأيّ خطوة إنقاذية كبرى كالتفاهم الممكن على انتخاب رئيس للجمهورية تعزّز التفاهمات وترفَع من قيمتها السياسية والمعنوية والوطنية وتنهي الجدل العقيم بوجوهِه الدستورية والسياسية والطائفية وتوفّر عناءَ المواجهات الخنفشارية والتافهة. وإلى أن يثبتوا العكس سنكون في وضع آخر.