في انتظار ما يُثبِت مصادر تمويل الحراك في وسط بيروت بعد سقوط نظرية تحميل واشنطن والدوحة المسؤولية جزئياً والحديث عن «فلس الأرملة»، ينظر القادة الأمنيون بقلق الى حراك 9 أيلول حيث المواجهة بين الشارع وأقطاب «هيئة الحوار الوطني» وما تُمثّل في إختبار هو الأدقّ للفَرْز بين ما هو داخلي وخارجي من الدوافع؟ وهذه هي القراءة الأمنية.
لم يتوقّف الجدل بعد عن مصادر تمويل الحراك الشبابي في وسط بيروت، ولا يبدو أنّ هناك مَن هو قادر على حَسم هذه الظاهرة بما كشفته الترتيبات التي واكبت الحراك الممتدّ من 22 آب الماضي الى 29 منه، وما تلاها من «هجمات منظّمة» ضدّ أهداف مختارة انطلاقاً من «وزارة البيئة» الى «وزارة العمل»، وما بينهما التحرّك في اتجاه «البارك ميتر» ووزارة الداخلية.
وانشغلت الأوساط الأمنية والإستخبارية في البحث عن مصادر التمويل ولم تصل الى مبتغاها بعد، خصوصاً أنها لم تقتصر على ما رافق الحراك من كلفة مالية باهظة خبرها مموّلو حملات «8 و14 آذار» سابقاً. وأجريت المقارنات المالية واللوجستية وأضافوا اليها منظومة إعلامية رافقت الحراك و«كلفة البث المباشر» لأيام.
وباعتراف الأوساط الأمنية والديبلوماسية فقد شاركت أجهزة مخابرات عاملة في لبنان في هذه الورشة، إلّا انها لم تقدّم بعد أجوبة صريحة على مجموعة أسئلة تناولت الموضوع من جوانبه المختلفة على رغم وجود نسبة عالية من التنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية.
وعلى هذه الخلفيات، يستعرض القادة الأمنيون في اجتماعاتهم جملة من التقارير والمعلومات تتناول بعضاً من التفاصيل التي لا تسمح بتكوين صورة دقيقة عن الموضوع. فبعضها يعترف صراحة بالفشل في قراءة الخطوات التي يُزمع قادة الحراك القيام بها وجاءت «عملية وزارة البيئة» لتشكّل الإمتحان الأول الذي أثبت الفشل في هذا الإتجاه.
ولا تغفل المراجع الأمنية في بحثها عن الجهات التي تدعم الحراك الشبابي، كلّ ما يشير الى تصنيف الأسباب بين ما هو داخلي لبناني محض وما يمكن أن يكون خارجياً.
فالنقاش عميق في هذا الإتجاه، وبعض المؤشرات يدلّ على أنّ بعضاً منها مرسوم في الداخل من خلال مَن تقدَّم المتظاهرين من وجوه تحمل هويات من النخب السياسية والفنّية والإجتماعية ولها تاريخها السياسي والحزبي والنقابي ما اكسبها أبعاداً داخلية لا يمكن تجاهلها، لكنها ليست سبباً كافياً لنزع الصفة الخارجية عنها.
وعليه، تنظر المراجع الأمنية في تقديرها للمخاطر المتوقعة لحراك 9 ايلول من الوجهتين الداخلية والخارجية، وهي تحتسب أنّ المواجهة ليست مع الجدران البشرية والشريط الشائك الذي أبعد المتظاهرين من السراي الحكومي فحسب.
فما هو منتظَر يشكّل مواجهة بين المتظاهرين وأركان طاولة الحوار بمَن تمثل. ففي ساحة النجمة سيلتقي رئيسا مجلس النواب والحكومة والأقطاب قادة الكتل النيابية، لذلك فإنّ احتساب المخاطر الأمنية يجب النظر اليها من أفق أوسع من تلك التي شهدها لبنان حتى اليوم.
لذلك لا يخفي القادة الأمنيون عند الحديث عن الأمن الإستباقي استعداداً لذلك اليوم، أنْ لا بدّ من تدابير إستثنائية بوشر بالبعض منها في محيط السراي الحكومي والطرق المؤدّية الى ساحة النجمة. فالعوائق اتخذت أشكالاً أخرى غير الشريط الشائك وسترتفع بوابات حديد الى جانب ما زرع في الأرض من عوائق معدنية وانتشرت مجموعات الإستقصاء لجمع المعلومات حول ما يمكن أن يرافق الحراك المنتظر.
ويراهن القادة الأمنيون على وجود تغطية سياسية واسعة لكلّ التدابير الأمنية المتّخذة، وأنّ من الواجب توقف الجدَل القائم حيالَ ما تقوم به القوى العسكرية والأمنية من ترتيبات ومَن سيتولّى حماية هيئة الحوار، فالجيش وقوى الأمن الداخلي وبقية الأجهزة الأمنية هم في مهمة واحدة تديرها غرفة عمليات أمنية واحدة.
ولا ينسى القادة الأمنيون الوجه السياسي للأزمة، وهم يدركون أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يدعُ الى هذه الخطوة قبل استكشافه الأجواء الإقليمية والدولية وسفراء الدول المؤثرة في الساحة اللبنانية.
ولو لم يلقَ دعماً تبلّغه بصراحة لما أقدم على خطوته هذه. فالرعاية الدَولية للهيئة بما فيها جدول اعمالها والأولويات التي حدّدها ليست مجرد رصف عناوين تشكّل مفاتيح الأزمة في البلاد، فتصنيفها وفق النقاط السبع اختير بعناية استدرجت الدعم الإقليمي والدولي لها.
تبقى الإشارة ضرورية الى أنّ القادة الأمنيين ينظرون الى هذه التجربة على أنّها الحدّ الفاصل في الجدل القائم حيال خلفيات الحراك والفرز النهائي بين ما يمكن اعتباره أسباباً داخلية وأخرى خارجية، فالجميع تحت المجهر. والى حينه يخلق الله ما لا تعلمون!؟