في انتظار محطة آذار التفاوضية الاميركية ـ الايرانية التي ستضع الملف النووي الايراني على طريق الاتفاق النهائي الذي يتوقع التوصّل اليه بين ايران والدول الغربية في محطة حزيران المقبل، فإنّ تطورات كثيرة ستشهدها ساحات لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن يتجلى من خلالها محوران، أحدهما يُمنّن النفس بالإنجاز والآخر يعمل على الحد من الخسائر.
تسود لبنان راهناً مرحلة من القلق الامني، ويعمل المعنيون على تجنيبه خلالها ما أمكن من القلاقل والاضطرابات الناجمة من تداعيات الازمة السورية، ويبدو انّ المعركة التي خاضها الجيش السوري منذ ايام في مناطق الزبداني وجوارها المقابلة لجرود قوسايا اللبنانية، وفي موازاة الاجراءات التي اتخذها الجيش اللبناني في مخيمات النازحين السوريين، أُجهِض على ضفّتي الحدود ما كان يحضّر لدى المجموعات المسلحة في القلمون من معركة «عرسال ثانية» أو معركة «رأس بعلبك جديدة» في منطقة البقاع الاوسط.
والى ذلك تلاحق القوى العسكرية والاجهزة الامنية الانتحاريين الذي قيل إنهم منتشرون داخل لبنان لتنفيذ تفجيرات هنا وهناك، وهم حسب المعلومات من جنسيات لبنانية وعربية. فيما مخاطر جبهة عرسال ـ القلمون ما تزال قائمة ولها بُعدان: الاول، يتصِل بالنزاع الداخلي بين المجموعات المسلحة التابعة لتنظيمي «داعش» و»جبهة النصرة»، وقد دخل على خطه أخيراً قائد تنظيم «جيش الاسلام» زهران علوش الذي يقصف دمشق وبعض ضواحيها عشوائياً من حين الى آخر.
أمّا البعد الثاني فهو مشروع «دوعَشة» القلمون، والذي تحاول «جبهة النصرة» ان لا تشرب فيه الكأس المرّة في مواجهة «داعش».
ويقول مصدر سياسي مواكب للإتصالات الجارية انّ هذه الاستحقاقات الامنية نافرة ولكنّ القوى العسكرية والامنية اللبنانية قادرة على التحكم بها والسيطرة عليها واستيعابها بما يمنع حصول أي احداث كبيرة من شأنها ان تهزّ الاستقرار العام بنحو خطير. وقد حققت هذه القوى إنجازات أمنية وعسكرية كبرى ومشهودة في هذا المجال، وهي تتعامل حالياً مع بقع وبؤر معزولة بات سهلاً السيطرة عليها.
وفي اعتقاد هذا المصدر انّ ما حصل في مزارع شبعا من ردّ لحزب الله على الاعتداء الاسرائيلي في القنيطرة، وما حصل على الحدود الجنوبية من اعتداءات اسرائيلية كان بمثابة جولة وانتهت، ولكنها قد تكون في إطار جولات اخرى قد تحددها قواعد الاشتباك في منطقة الجولان، خصوصاً انّ الجبهة الجنوبية السورية ستبقى مشتعلة الى أجل غير مسمّى.
ويرى المصدر انّ حزب الله في ردّه على اعتداء القنيطرة قد فرض قواعد ردع جديدة في مواجهة اسرائيل من دون ان يذهب الى حرب كبرى، ويؤكد في هذا السياق انّ زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لقيادة القوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) أمس وما أجراه من محادثات مع قائدها ركّزت على الامن في المنطقة الحدودية، ما قطعَ الطريق على إسرائيل للتلاعب على العلاقة بين لبنان وقوات «اليونيفيل».
وفي ضوء هذه المعطيات فإنّ تظهير ملف الاستحقاق الرئاسي ودفعه نحو الانجاز يجب ان يأخذ في الاعتبار الوقائع الحاكمة، والتي تفرض التوافق على شخص الرئيس العتيد.
ومن هنا يبرز التعويل على الحوار الجاري بين حزب الله وتيار «المستقبل»، والذي بدأ يقترب رويداً رويداً من البحث في ما يمكن اتخاذه من خطوات سياسية تساعد على إنجاز انتخابات رئاسة الجمهورية، وذلك في ظل اعتقاد بأنّ هذا الحوار قد تتوسّع دائرة المشاركين فيه عندما سيبدأ البحث في الاستحقاق الرئاسي حتى لا يقال انّ فريقين سياسيين بلونَيهما السياسي والطائفي يستأثران بالبحث في هذا الاستحقاق من دون أن يشترك فيه أفرقاء معنيون آخرون من مسيحيين وغير مسيحيين.
وفي انتظار ذلك، فإنّ ثمّة تحرّكاً سيقوم به رئيس الحكومة تمام سلام لمعالجة الوضع الحكومي المأزوم نتيجة آلية اتخاذ القرارات المعتمدة في زمن تَولّي مجلس الوزراء صلاحيات رئاسة الجمهورية بسبب الشغور في سُدّتها.
فهذه الحكومة باتت نتيجة هذه الآلية مكوّنة من 24 رئيس جمهورية او 24 رئيس حكومة نتيجة الاجتهاد الذي اعتمد بأن يوقّع جميع الوزراء كلّ قرار يتخذه مجلس الوزراء، ما يعطّل من حين الى آخر صدور هذا القرار أو ذاك بمجرد اعتراض وزير واحد فقط عليه من هنا او هناك، وهذا يخالف احكام الدستور الذي يقول انّ المجلس يتخذ قراراته العادية بالتوافق او بالأكثرية المطلقة، وبأكثرية الثلثين بالنسبة الى القرارات والقضايا المصيرية، وذلك سواء كان رئيس الجمهورية مترئساً جلسة مجلس الوزراء او لم يكن حاضراً الجلسة أصلاًَ.