IMLebanon

الفتنة ليست قدَراً

 

لماذا ينطبع في أذهان اللبناني، منذ أن يعي الحياة، أنه ينتمي الى وطن يقف على فوّهة بركان اسمه الفتنة؟ فمنذ طفولته يسمع كلاماً على الفتنة: هنا تهديد بها. هناك تحذير منها. هنالك نصائح وشعارات مثال «الفتنة نائمة لعن الله مَن يوقظها»… الى ما هنالك من هذه الأنماط التي لا تفسير لها سوى أن الفتنة هي تلك الأفعى الخبيثة التي لا تنفك «واقفة على ذنَبها» مستعدة لأن تنفث سُمِّها في أي لحظة.

 

يحدث هذا منذ إنشاء هذا الوطن، ولقد تجاوز التهديد والوعيد الى واقع ملموس تكرّر (على الأقل) منذ العام ١٨٤٠ حتى اليوم.

 

ولو شئنا أن نعطي أمثلةً عن «تأهّب» الفتنة لذهبنا الى عشرات النماذج، وربما الى المئات منها. ولكنّ أكثرها فجاجةً ما حدث في عهد الرئيس الياس الهراوي عندما «اضطُرّ» أهل النظام الى التفتيش عن شخصَين مسيحيَّيْن محكومَين لإعدامهما شنقاً، لأن الوضع الأمني في البلد، في حينه، كان يقتضي تنفيذ حكم الإعدام باثنين صودِف أنهما كانا ينتميان الى الطائفة الإسلامية. وإلّا، فالفتنة على الأبواب، والعياذ بالله. (وهذا لا يعني أننا مع تنفيذ الأحكام على البعض دون البعض الآخر بأي شكل من الأشكال، علماً أننا في المبدأ ضد الإعدام).

 

وفي تقديرنا، بل أبعد من التقدير، إذ في اعتقادنا أن الفتنة هي سلاح فتّاك في أيدي الجماعة السياسية التي لم تبنِ دولةً على قواعد سليمة، إنما بنت مزرعة على قياسها. ونوضح: لو كان في هذا الوطن المنكوب دولة سويّةٌ لما كان أحد يلوّح بالفتنة، ولا آخر يهدد بها. ولو كان في هذا البلد البائس دولة طبيعية بقضاء منزَّهٍ لما كانت الفتنة لتطلَّ برأسها من الطاقة حيناً والنافذة حيناً آخرَ ومن الباب حيناً ثالثاً قبل أن تستقر في صحن الدار. ولو كان في هذا البلد حكّام وسياسيون تهمهم مصلحة البلاد والعباد فوق أنانياتهم ومصالحهم الذاتية لكانوا قد وأدوا الفتنة من زمان. ولو كان فيه قضاء يُصدر أحكامه في وقت طبيعي ولا يغفل عن القضايا المطروحة أمامه ويغيّبها في الأدراج، وبالتالي يعطي الناس حقوقهم ودولة تنفذ، بأجهزتها وقواها أحكام القضاء، لما كانت الفتنة «حاضرة ناضرة» في كل آنٍ وكل حين.

 

أجل الفتنة ليست قدَراً، إنما هي نتيجة طبيعية لحكم عاجز ومتواطئ، ولطاقم سياسي فاسد، ولشعبٍ يشجّع على الفساد وهو أداته إن لم يكن جزءاً منه.