IMLebanon

الفتنة مستبعدة… لكن بذورها موجودة

ما يجعل “داعش” متفوقاً على التنظيمات المشابهة له تنظيمه وامتلاكه رؤية شاملة ومخططات تنفيذية لها. وهو أيضاً قدرته على اجتذاب مقاتلين إلى صفوفه، عرباً وسوريين ومسلمين غير عرب. وهو ثالثاً انتماء قسم من مقاتليه وقياداته إلى العصر الحالي وامتلاكهم مهاراته التي تجعلهم قادرين على المواجهة. وهو رابعاً امتلاكه المال عصب الحروب والثورات والانتفاضات. وبماله استطاع “داعش” استمالة التنظيمات الصغرى الثائرة على الأسد. وهو يسعى حالياً الى استمالة التنظيمات ذات الحجم المتوسط وفي مقدمها “جبهة النصرة”. ومن الأمثلة الناجحة على ذلك، استناداً إلى الإسلامي اللبناني البارز والعتيق نفسه والمطلع داخلياً وعربياً وإسلامياً، كان عودة أحد قادة التنظيمات المشار إليها من لبنان إلى الجبهة في سوريا بعد “إجازة عائلية” واكتشافه أن مقاتليه بايعوا “داعش” من جراء “العسر” الذي طاولهم. وهو خامساً “اعتدال” الاعتراضات على التنظيم المتشدّد المذكور من الخاضعين لحكمه. فكثيرون منهم يقولون أنه قاسٍ في ممارسته السلطة على النساء، لكنه في ما عدا ذلك لا بأس به.

أما في موضوع عرسال وترجيح الكثيرين تحولها ساحة حرب مرة ثانية من جراء محاولة “داعش” استعادتها، أو قيام “داعش” بعمليات عسكرية مفاجئة يرتكب خلالها مجازر مذهبية، فإن الإسلامي نفسه لا يخفي قلقه عليها وعلى الوضع في منطقتها عموماً. لكنه لا يبدو “مرعوباً” من تطور كالمذكور أعلاه لاعتبارات عدة منها تعقّل الإسلاميين اللبنانيين، ومنها استعدادات الجيش اللبناني الذي يتعزز هذه الأيام سلاحاً وتدريباً. ومنها عدم رغبة مسلمي الاعتدال في لبنان وفي مقدمهم “تيار المستقبل” وجماعات اسلامية عريقة ومعتدلة في الانجرار إلى حرب – فتنة بين السنة والشيعة. ومنها عدم رغبة “حزب الله” ومؤسِّسَته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حرب – فتنة كالمشار إليها لأنها تخلق لهما مشكلات لا بد من أن تؤدي لاحقاً إلى إنهاكهما وربما إلى أكثر من ذلك. علماً أن ذلك، على أهميته، لا يكفي لأن هناك فريقين قد يكونان مصرّين على إيصال النار السورية إلى لبنان، هما التنظيمات الإسلامية المتطرّفة جداً وفي مقدمها “داعش”، والموالون للنظام السوري في لبنان رغم أنهم لا يستطيعون وحدهم إطلاق حرب، لكنهم يستطيعون الإزعاج و”الخربطة” والتخريب.

ماذا عن جبهة شبعا واحتمال فتحها كما يشاع في بعض الأوساط الإعلامية والسياسية؟

يستبعد الإسلامي اللبناني البارز نفسه فتح هذه الجبهة لأن البيئة الشعبية في المنطقة المذكورة ليست حاضنة لـ”داعش” و”النصرة” وأمثالهما رغم أن غالبية سكانها من أهل السنّة ومن غير الموالين طبعاً لنظام آل الأسد في سوريا. وحتى التعاطف الذي كان موجوداً قبل انكشاف الوجه العنيف جدّاً لهؤلاء خفَّ كثيراً. فضلاً عن أن هناك عوامل عدة أبرزها اثنان ساهما في جعل أجواء الحكمة والتعقّل تسود على الأقل حتى الآن. منها أن تاريخ منطقة شبعا في مقاومة إسرائيل الغاصبة أرض فلسطين والمحتلة أرض في لبنان معروف حتى بعد استئثار “حزب الله” الشيعي بالمقاومة. ومنها أن الإسلاميين فيها معتدلون وينتمون إلى جماعة اسلامية لم تحمل السلاح في سوريا رغم التاريخ الدموي بينها وبين النظام فيها. طبعاً يعرف الإسلامي نفسه وآخرون أن فتح جبهة شبعا يبقى قراراً إسرائيلياً، إذ أن “المعبر” غير المعبّد الوحيد الذي يوصل مقاتلي “النصرة” أو “داعش” إلى لبنان يقع تحت “أنظار” جيش اسرائيل. وطبعاً أيضاً لا تمانع إسرائيل في حرب – فتنة بين السنة والشيعة. لكنها تعرف أن تطوّراً كهذا قد يصيبها مباشرة لأن “حزب الله” قد يدخلها الصراع في محاولة قد تنجح وقد تفشل لتلافي حرب أهلية. واستهدافها قبل مدة بصواريخ كان في نظر كثيرين رسالة.

أما سائر المناطق اللبنانية فإنها قلقة وعلى أعصابها ومتخوّفة لأنها لا تختلف عن غيرها من التركيبات الديموغرافية المختلطة، ولأن اللاجئين السوريين صاروا قنبلة موقوتة قادر على تفجيرها الضيق والعسر والثوار على تنوّعهم وتطرّفهم والنظام السوري، لكنها قد لا تشهد “عمليات” عنف واسعة إذا بقي الشمال والجنوب والبقاع في حال هدوء.

في اختصار الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” قد يريح الأجواء ويخفّف الاحتقان من دون أن يجد حلولاً. أما الحلول فرهن باتفاق أميركي – إيراني نووي وشرق أوسطي ينعكس حواراً سعودياً – إيرانياً. ومن دون ذلك لا يمكن الجزم باستمرار أي هدوء.