الأخبار السيئة تلاحق «سيدروس إنفست بنك»، في لبنان كذلك في الولايات المتحدة الأميركية. فبعد الضجة التي أثارها طلبه «هندسة مالية خاصة» من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، للحصول على أرباح بقيمة 72 مليون دولار على حساب المال العام، علمت «الأخبار» أن هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان اضطرت إلى فتح تحقيق مع المؤسسة المذكورة، على خلفية الدعوى ضدها وضد nomura international، التي رفعتها هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) في محكمة المقاطعة الجنوبية في نيويورك، في الثاني عشر من نيسان الجاري، التي تتهم هاتين المؤسستين بارتكاب مخالفات وانتهاكات للقوانين الناظمة للتعاملات في البورصة وتحقيق كسب غير مشروع عبر هذه الممارسات
وجهت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) اتهاماً إلى كل منCedrus Invest Bank SAL وnomura international plc بتحقيق أرباح، تراها غير مشروعة، بقيمة تتجاوز مليون دولار، في يوم واحد، عبر مضاربات على سهم شركة اتصالات في ولاية ألاسكا تدعىGCI) General Communication Inc)، وتقول الهيئة إن هذه المضاربات حصلت بعد حصول «المدعى عليهم» على معلومات سرية تتعلق بصفقة استحواذ على شركة GCI من قبل شركةLiberty Interactive Corporation، وهي مجموعة إعلامية، والتي أنجزت في الرابع من نيسان الجاري.
تأتي هذه الأخبار بالتزامن مع قرار تعيين رئيس مجلس الإدارة – المدير العام لـ«سيدروس إنفست بنك»، فادي العسلي، مستشاراً لرئيس الجمهورية ميشال عون لشؤون الخليج. وكان العسلي قد حلّ على رأس البنك في كانون الأول الماضي بعد تعيين سلفه رائد خوري وزيراً للاقتصاد والتجارة من حصّة التيار الوطني الحر.
بعد تبلغها عبر القنوات المعتمدة، اضطرت هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان إلى فتح التحقيق اللبناني في ادعاءات الهيئة الرقابية الأميركية. يستند التحقيق المحلي إلى موجبات القانون رقم 44 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وهو يحدد في مادته الأولى «الأموال غير المشروعة»، ومن ضمنها «استغلال المعلومات المميزة وإفشاء الأسرار وعرقلة حرية البيوع بالمزايدة والمضاربات غير المشروعة». وتنص المادة السابعة منه على أن هيئة التحقيق الخاصة «تتلقى البلاغات وطلبات المساعدة وإجراء التحقيقات في العمليات التي يشتبه في أنها تشكل جرائم تبييض أموال أو جرائم تمويل إرهاب وتقرير مدى جدية الأدلة والقرائن على ارتكاب هذه الجرائم أو إحداها واتخاذ القرار المناسب بشأنها، ولا سيما التجميد الاحترازي المؤقت للحسابات و/أو للعمليات المشتبه فيها، وذلك لمدة أقصاها سنة قابلة للتمديد لستة أشهر إضافية ولمرة واحدة في ما خص طلبات المساعدة الواردة من الخارج، ولمدة أقصاها ستة أشهر قابلة للتمديد لثلاثة أشهر إضافية ولمرة واحدة بالنسبة إلى الإبلاغات وطلبات المساعدة الواردة من الداخل».
تدّعي هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، وفق المراجعة المرفوعة إلى المحكمة، على «بعض الزبائن المجهولين» في «سيدروس إنفست بنك»، لكونها «لم تتمكن (الهيئة) بعد من تحديد من أدار ومن استفاد من العملية»، وكذلك تدّعي على «بعض الزبائن المجهولين» في «nomura international plc» أيضاً. أمّا التهمة الموجهة إليهما، فهي «انتهاك القاعدة 10b-5 من قانون تبادل الأسهم الأميركي، المتعلق باستخدام وسائل التلاعب والخداع». وتنص هذه القاعدة على أنه «يكون من غير المشروع لأي شخص، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال استخدام أي وسيلة أو طريقة للتجارة بين الولايات، أو الرسائل أو أي مرفق لأي بورصة وطنية للأوراق المالية، أن يستخدم أي جهاز أو مخطط أو حيلة للاحتيال، أن يدلي بأي بيان غير صحيح لحقيقة مادية أو أن يلغي ذكر حقيقة مادية ضرورية لإصدار البيانات التي أدلى بها، في ضوء الظروف التي ارتكبت فيها، أو الانخراط في أي فعل أو ممارسة أو مسار يعمل أو سيعمل كاحتيال أو خداع على أي شخص، في ما يتعلق بشراء أو بيع أي سند مالي».
تضع الهيئة الأميركية تحت خانة «هيئات أخرى ذات صلة (بالعملية المدّعى بها)» مجموعة من الشركات في دائرة الشبهة، منها «سيدروس إنفست بنك»، الذي تقول إنه «يحتفظ بحساب تداول محدود منفصل، تم تنظيمه على أنه حساب رئيسي مع حسابات فرعية. وقام حساب تداول سيدروس بشراء 540 ورقة مالية (عقد خيار شراء خارج النقد غير مربح) بين 20 آذار و 29 آذار 2017. باع الحساب لاحقاً هذه العقود لتحقيق ربح محتمل قدره 526.925 دولاراً”. وكذلك فعلت شركة الوساطة المالية Nomura International plc التي «تحتفظ بحساب شامل في شركة Nomura US، والتي من خلالها تتداول الأوراق المالية في البورصات الأميركية نيابة عن عملائها. تم من خلال حساب التداول في Nomura UK شراء 753 من العقود نفسها التي اشتراها «سيدروس» بين 22 آذار و 31 آذار 2017. بعد ذلك قام حساب Nomura UK بنقل 40 من هذه العقود إلى JP Morgan في 14 نيسان 2017 وباع العقود الباقية وعددها 713، محققاً ربحاً محتملاً قدره 627،756 دولاراً».
تقول الدعوى في الصفحة العاشرة إن «المدعى عليهم كان في حوزتهم معلومات مادية وغير علنية عن الاستحواذ المقترح على شركة GCI في الوقت الذي قاموا فيه بشراء عقود خيارات الشراء المزعوم في هذه الشكوى. وعلاوة على ذلك، استخدم المدعى عليهم معلومات سرية عن الاستحواذ المقترح في انتهاك للواجب الائتماني؛ وتم تزويدهم بالمعلومات السرية من جانب فرد أو أفراد في انتهاك لواجبات الأمانة والثقة؛ وتم تزويدهما أيضاً بمعلومات تم اختلاسها من هذا الشخص في انتهاك للواجب الائتماني تجاه المطلع؛ أو اختلاس المعلومات السرية في انتهاك للواجب الائتماني».
تشرح هيئة الأوراق المالية والبورصة الأميركية في الدعوى أنه بتاريخ 4 نيسان أُعلِن استحواذ شركةLiberty Interactive Corporation على شركة GCI بسعر 32.50 دولاراً للسهم. ولكن بعد هذا الإعلان ارتفع سعر سهم GCI من 20.56 دولاراً في 3 نيسان إلى 33.39 دولاراً في 4 نيسان، أي بزيادة 62.4%. كذلك نتج من العملية ارتفاع كبير بحجم تداول أسهم GCI وصل إلى 7.8 ملايين سهم في 4 نيسان، أي أكثر بنسبة 4.923% من حجم التداول في 3 نيسان. أدّت هذه الوقائع إلى تحقيق المدعى عليهما، سيدروس إنفست و nomura، أرباحاً كبيرة تجاوزت قيمتها مليون دولار، جراء ارتفاع أسعار الأسهم التي اشتروها بأسعار ما بين 22.50 دولاراً و25 دولاراً (سعر الشراء) إلى 33.39 دولاراً نتيجة المعلومات المسربة لهما كما يرد في نص الدعوى.
ترسم الهيئة شبهاتها من خلال استعراض مجموعة من الوقائع، منها أن المدعى عليهم قاموا بين 20 آذار و31 آذار بشراء ما مجموعه 1293 عقد خيار شراء خارج النقد من GCI بقيمة 48109 دولارات. قبلوا بشراء هذه الأسهم بسعر يراوح ما بين 22.50 دولاراً و25 دولاراً للسهم، في حين أن متوسط السعر في خلال فترة الستة أشهر التي سبقت عملية الاستحواذ بلغ 18.31 دولاراً، وبالتالي لتحقيق أرباح كان لا بد من أن يرتفع سعر السهم، وهو ما تتهم الهيئة المدعى عليهم بمعرفته من خلال معلومات مسربة عن الصفقة التي كانت تتحضر، مشيرة إلى أن المدعى عليهم لم يتداولوا أسهم شركة GCI في خلال فترة الستة أشهر التي سبقت إعلان صفقة الإستحواذ. وتشير أيضاً إلى أن عملية شراء العقود التي نفذها المدعى عليهم بدأت بعد 10 أيام من انطلاق التفاوض السري والجدي بين GCI و Liberty، وبالتالي إن شراء الأسهم بالأسعار التي تمت فيها العقود، أي 22.5 و25 دولاراً، كان غير عادي لجهة السعر وتوقيت الشراء، خصوصاً أن سعر السهم المتداول آنذاك كان أقل من 22 دولاراً، ما يؤكد معرفة المدعى عليهما بأن الأسعار سترتفع، بحسب مزاعم الهيئة في الدعوى.
تجدر الإشارة إلى أن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية هي الهيئة التنظيمية الأساسية للأسواق المالية الأميركية، وتعود لها صلاحية تفسير وإنفاذ قوانين الأوراق المالية وإصدار قواعد جديدة وتعديل القواعد القائمة والإشراف على تفتيش شركات الأوراق المالية والسماسرة ومستشاري الاستثمار ووكالات التصنيف. كذلك الإشراف على المنظمات التنظيمية الخاصة في مجالات الأوراق المالية والمحاسبة ومراجعة الحسابات وتنسيق لوائح الأوراق المالية الأميركية مع السلطات الاتحادية والأجنبية. وتلجأ الهيئة إلى المحاكمة الجنائية في حال حدوث مخالفات أو انتهاكات للقوانين.