يؤكّد سياسيّون أنّ ما يجري داخلياً من تحرّكات سياسية وما يرافقها من مواقف متناقضة إزاءَ الاستحقاقات المطروحة وفي مقدّمها الاستحقاق الرئاسي المتعذّر إنجازُه منذ 24 آذار 2014، إنّما هو تجسيد للأزمة الكبرى التي تعيشها المنطقة، ما يَجعل هذه الاستحقاقات في حالٍ انتظارية طويلة…
يقول هؤلاء السياسيون إنّ ما أعلنَه رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون هو أحد عناوين التجسيد الداخلي للأزمة الإقليمية الكبرى التي إذا انتصر فيها محور «المقاومة والممانعة» أو «المحور الآخر» فإنّ لبنان سيتأثر بتداعياتها ولن ينجوَ منها، لكن لا يمكن التكهّن منذ الآن كيف ستكون طبيعة هذا التأثر، إلّا أنّ السؤال الأساسي هو: إلى أيّ مدى سيستمرّ هذا الاستقرار الهشّ القائم على معادلة ذات ركائز ثلاثة هي: الحكومة، الحوار الجاري بين حزب الله وتيار «المستقبل»، الجيش؟
ويضيف هؤلاء السياسيون: صحيح أنّ هذا الاستقرار هشٌّ وترعاه إرادة غربية وإقليمية ومحلّية، لكن هل يمكن ايّ فريق ان يغامر في لحظة ما ويطيحه؟ فقضية عرسال التي لجأ مسلّحو القلمون الى جرودها بعدما دحرَهم حزب الله والجيش السوري من الجرود والتلال القلمونية، تشكّل تحدّياً كبيراً للدولة والجيش وللقوى السياسية وينبغي إيجاد العلاج اللازم والسريع لها، لأنّ المسلحين إذا حاولوا التمدّد مجدداً الى عرسال سيصطدمون بالجيش، وربّما بقوى أخرى، ما قد يؤدّي الى نشوب معركة كبيرة في المنطقة قد يتشظّى بها الوضع الداخلي سياسياً وأمنياً.
وفي هذا السياق يلفت هؤلاء السياسيون الى انّ قضية الحكم على الوزير السابق ميشال سماحة والذي أصدرته المحكمة العسكرية تكبر يومياً نتيجة المضاعفات السياسية وردود الفعل الكبيرة عليها، وربّما يندفع البعض الى طرح إجراء مقايضة بينها وبين ملف السجَناء الإسلاميين في سجن رومية.
أمّا على صعيد الحكومة فإنّها تكاد تتحوّل حكومة تصريف أعمال، نظراً لما تشهده من خلافات ترقى أحياناً الى مستوى التعطيل، فيما رئيسُها تمّام سلام يكابد في سعيِه إلى تغليب لغة التوافق في اتّخاذ القرارت في مجلس الوزراء الذي يتولّى صلاحيات رئاسة الجمهورية الشاغرة وكالةً، لضمان الحدّ الأدنى من العمل الحكومي المنتج، في انتظار انتخاب رئيس جمهورية جديد ليعودَ الانتظام الطبيعي الى عمل المؤسسات الدستورية، ولذلك تراه يواظب في مستهلّ كلّ جلسات مجلس الوزراء، وفي كلّ مناسبة، على الدعوة إلى الإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
ويرى السياسيون أنفسُهم أنّه لا ينبغي الاستهانة بالعناوين الصغيرة التي تبرز في الواقع السياسي الداخلي وفي الصورة الأوسع، لأنّها ترمي مزيداً من الحطب على النار المتّقِدة، ولكن ما يحافظ على هذا الحد الأدنى من الاستقرار هو «ستاتيكو» المساكنة السياسية المعبّر عنه في الحكومة وفي الحوار بين حزب الله وتيار «المستقبل».
ويشير متابعون لشؤون الاستحقاق الرئاسي الى انّ هناك فريقاً من السياسيين يخطط بالتفاهم مع الإدارة الفرنسية والفاتيكان لتحريك هذا الاستحقاق منتصَف الصيف المقبل لإنتاج رئيس توافقي على قاعدة أن لا فرصة متاحة أمام عون للفوز برئاسة الجمهورية. ويَعتقد هؤلاء أنّه بعد إعلان الاتفاق النهائي على البرنامج النووي الإيراني بين الدول الغربية وإيران يمكن الأزمة اللبنانية ان تكون بداية التجربة في معالجة الملفات الإقليمية.
لكنّ هؤلاء المتابعين يقولون في المقابل إنّ عون يراهن على ان يأتي الاتّفاق النووي الايراني لمصلحته رئاسياً، بحيث يمكن ان يتحوّل نقطة تلاقٍ إقليمي ـ دولي في ملف رئاسة الجمهورية، بل إنّ عون يراهن على غلبةِ محور « المقاومة والممانعة» في كلّ أزمات المنطقة، ما يمكن في هذا الحال ان يؤدي الى انتخابه رئيساً للجمهورية، وهو يَعتقد جازماً أنّ «المحور الآخر» لن يكون له أيّ غلبَة.
وهنا يشير هؤلاء الى ما قاله الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في كلمته المتلفَزة مساء السبت الماضي، حيث دعا القوى السياسية، وخصوصاً فريق 14 آذار للاستماع الى عون جدّياً وعدم التعاطي مع طروحاته باستهتار، ملمّحاً الى «طرح خامس» في شأن الأزمة، لكنّه لم يكشف عن طبيعته، ما دفعَ كلّ الاوساط السياسة الى البحث والتمحيص لمعرفة طبيعة هذا الطرح.
في أيّ حال، يقول بعض النواب إنّ ما طرحَه عون يهدف في جانب منه، في حال عدم الاستجابة إليه، إلى التأكيد امام الرأي العام داخلياً وأمام الجهات الاقليمية والدولية المعنية أنّه جاهز لمعالجة الاستحقاق الرئاسي والأزمة اللبنانية ككلّ وأنّ لديه مبادرات وحلولاً ومخارج في شأنها، بينما «الفريق الآخر» لا يتجاوب ولا يطرح أيّ مبادرات جدّية، وهو يتحمل المسؤولية عن استمرار الأزمة.