IMLebanon

اللجوء والإصلاح والأمن والإرهاب والتطرّف.. ولا رئاسة لبنانية أقلّه حتى الصيف

مشاكل ناس باريس وهمومهم والتطلّعات نسخة مطابقة لهواجس أهل بيروت

اللجوء والإصلاح والأمن والإرهاب والتطرّف.. ولا رئاسة لبنانية أقلّه حتى الصيف

باريس ترى أن وظيفة لبنان في هذه المرحلة أن يكون سجناً بلا أبواب للاجئين السوريين

يزدحم النقاش مع زائر باريس هذه الأيام. من البرد القارس الذي حل هذا الخريف في غير موعده ويتصدر نشرات الاخبار، إلى اللجوء، مشكلة المشاكل الفرنسية حيث يتذمر الباريسيون بصمت (خشية اتهامهم بالعنصرية والحض على الكراهية!) من وجود مناطق – غيتوات تكاد تكون (أو هي) مقفلة عليهم، مرورا بالسياسة الرئاسية الفرنسية في شقيها الداخلي والخارجي، ثم تداخل السياسة بالقضاء، فالتهديدات الإرهابية والتربص الاستخباري لها، وليس انتهاء بالفورة الشعبية غير المسبوقة التي تحيط بالجبهة الوطنية والتي تتغذى خصوصا من أطباق هذا اللجوء وتداعياته الإنسانية والديمغرافية، والتي تدفع الجبهة الى أوجها، والبلاد على مشارف انتخابات محلية هامة ومنتظرة.

الملصقات المؤيدة لمارين لوبن والمناهضة لها تتوزع بين شوارع باريس التي تشهد ورشة تأهيل الشبكة الكهربائية، من الشانزيليزيه (في واجهات الأكشاك) الى فيكتور هوغو والكونكورد ومونتين، حيث يصادف مرور شابين ذي اصول افريقية يحييان على طريقتهما صورة لوبين الملصقة الى جانب الطريق بالقرب من حفرة لشركة كهرباء فرنسا، تزامنا مع مثولها أمام المحكمة في مدينه ليون بعد اتهامها بالتحريض على الكراهية عندما شبهت صلاة المسلمين في الشارع بالاحتلال النازي.

وتعود القضية الى العام ٢٠١٠ عندما كانت لوبن تخوض حملة لتحل مكان والدها جان ماري لوبن على رأس الجبهة الوطنية. حينها شبهت صلاة مسلمين في الشارع بسبب ضيق المكان في الجوامع المتوفرة، بالاحتلال النازي لفرنسا.

كل هذه العناوين والنقاشات مع زملاء فرنسيين، ليست بغريبة على الزائر. هي، في بعضها، استنساخ لمشاكل ومعاصٍ لبنانية:

أ- من اللجوء، مشكلة المشاكل في بيروت مع تداعياته الاقتصادية والديمغرافية (ولم يعد غريبا او حتى نافرا ان يرى زائر باريس عائلة سورية في الشانزيليزيه تقف عند حافة الشارع والحياة لتستجدي معيناً أو معيلاً).

ب – الى التداخل السياسي – القضائي (صرحت لوبن عند وصولها الى المحكمة في ليون يوم الثلاثاء 20 تشرين الاول انها لم تقترف اي ذنب او اي مخالفة، واتهمت الحكومة الاشتراكية باضطهادها، سائلة «ألا يدعو اختيار هذا التوقيت الى الاستغراب؟ نحن على بعد شهر واحد من الانتخابات المحلية وعمر هذه القضية 5 أعوام. أما كانوا يستطيعون الانتظار لو لشهر واحد؟»).

جـ – فالإصلاح وتشعباته (تصر ادارة شركة اير فرانس على ضرورة اعادة الهيكلة كحل وحيد لامكان استمرارها، في حين تتحفظ الحكومة الاشتراكية. وسبق لمئات من العاملين في الشركة ان اقتحموا اجتماعا لمجلس الادارة خصص لبحث خطة خفض النفقات التي تقضي بحذف 3000 وظيفة، واعتدوا بالضرب على الحاضرين، بمن فيهم رئيس مجلس إدارة الشركة الكسندر دو جونياك، قبل أن تتدخل قوات الأمن لإخراجهم).

د – ومن ثم الهواجس الامنية من مخاطر تهديدات الارهاب والشائعات التي تصاحبها (على بعد خطوات من قوس النصر الشهير، يتهافت يوم الاربعاء 21 تشرين الاول البوليس الفرنسي بالعشرات لاقفال الجادة والطريق المحاذية. يتهامس المتحلقون، متأففين من زحمة السير، ان ثمة انذارا بوجود قنبلة، فيما يسرّ آخرون انها اجراءات امنية مصاحبة لزيارة مسؤول عربي كبير).

اذن، هي العناوين اياها، ما عدا في الانتخابات، التي لا تزال في كل أشكالها الرئاسية والنيابية وقريبا البلدية والاختيارية، محجوبة وممنوعة من الصرف في لبنان، فيما تتحضر فرنسا لانتخابات محلية او مناطقية حاسمة في مسيرة الاحزاب الكبرى، وخصوصا الاشتراكي والديغولي، اللذين تأكل الجبهة الوطنية من صحنيهما، لا بل تنهم من لحمهما والعافية.

اما الرئاسة اللبنانية والتعقيدات المرتبطة بالفراغ، فطبق يومي حاضر في موائد اهل باريس وسكانها من الزملاء. لا افق راهنا لحل قريب، أقله حتى الصيف المقبل. «اصلا لا انتم ولا رئاستكم في اولوية اجندات العواصم المعنية» يقول أحد هؤلاء. «لا صوت راهنا يعلو على نفير مشكلة اللجوء. المطلوب منكم، في هذه المرحلة، ان تبقوا اللاجئين بين أسوار بلادكم، منعا لانتقالهم الى اوروبا». ها هو جيرار لارشيه (رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي الذي يزور بيروت)، يعبّر بوضوح عن هذه الاولوية. هو قال من عندكم ان «أوروبا تعاني من أزمة النازحين، غير أن لبنان هو الذي يستضيف العدد الأكبر منهم، وإذا لم نساعده بشكل جماعي سنكون أمام واقع صعب جداً، ونحن نعبّر عن تضامننا مع لبنان ونتمنى أن يكون ذلك على مستوى الأفعال وأن يكون حقيقة ملموسة».

يضيف الزميل الفرنسي: «ليس من وضوح أكثر من هذا الوضوح. وظيفتكم ان تكونوا سجنا بلا أبواب للاجئين. ستشهدون في المرحلة الآتية، وربما بدءا من تشرين الثاني، زيارات من مستوى رفيع، وستقرأون عن وعود بمال ومساعدات، وعن مزيد من الاعجاب بقدرة اللبنانيين على التحمل والتأقلم والاستيعاب والاسترسال في الكرم. كل ذلك، لكي يبقى اللاجئون وتُبقونهم عندكم، ولكي لا تقفلوا حدودكم امام موجات جديدة متوقعة، عفوية هرباً من قصف واضطهاد، ومخطط لها بعناية في غرف العمليات ورسم الخرائط».

يختم: «صحيح أن الإدارة الرئاسية الفرنسية (وفرنسوا هولاند شخصيا) تولي لبنان عناية خاصة، ربما بدافع عاطفي – وجداني يفوق الدافع السياسي، وصحيح ان السفير في بيروت ايمانويل بون يبذل جهدا مضاعفا لكي يترجم هذه العناية، ساعياً الى حلول تعثّر مسؤولوكم في إيجادها، غير ان التحولات الاستراتيجية في منطقتكم التي فرضها الاتفاق النووي ومرافقاته من مثل البحث بنهم عن استثمارات اقتصادية جزيلة في ايران، جنبا الى جنب مع الدخول الروسي الى الشرق الاوسط من الباب الواسع، أخرجتكم من دائرة الاهتمام الدولي. من الآن وحتى عودتكم الى هذه الدائرة، احفظوا الرؤوس»!