IMLebanon

السعي إلى إنهاء الفراغ يفضّل على كل تزكية للجمود

قليلٌ من الإتساق في الموقف السياسيّ لا يضرّ؛ لا يمكن أن تكون مواظباً على اتهام غريمك، «حزب الله»، بأنّه المسؤول الأوّل عن الفراغ، وتفضّل الفراغ على مسعى تجاوزه كي لا يقع المنصب الأوّل في الدولة في يد الحزب في نفس الوقت. السعي الى إنهاء الفراغ أفضل من أي استسهال لدوام الجمود على هذا الصعيد.

نعم، الحزب يضعنا منذ عامين ونصف العام أمام أمر واقع لا دستوري، وفي سياق جملة من الأوضاع الشاذة فرضها بغلبته المسلّحة في العقد الأخير. والحزب يستثمر في عقدة مزمنة، عمرها من عمر انتهاء الحرب الاهلية على أساس مختل في علاقة الطوائف بعضها ببعض، وتحت ادارة الوصاية السورية.

بالتأكيد، لو كان ممكناً الاتيان برئيس مناهض للحزب وحروبه، ومؤيد لثورات الشعوب العربية، جميعها، وفي الطليعة منها الشعب السوري، لكان هذا أفضل. لكن هذا غير متاح في الظروف الطويلة. لماذا؟ الجردة طويلة، وعسيرة، لكنه الآن خيار غير متاح.

ولأنه غير متاح كخيار، فالحزب يطمح الى ما هو أبعد: الاستثمار في الفراغ ليطول أمده قدر الامكان، علّ صيغة جديدة للبلد تنبثق من رحمه، وتعكس غلبة الحزب وسلاحه بشكل أوثق.

اذاً؟ السعي الى سدّ الفراغ أفضل، بالمطلق، من تركه يتوسع ويستفحل ويتحول من شغور في رأس الدولة الى حالة معممة تفضي الى الشلل التام.

وهذا السعي ليس بمستطاعه المكابرة على الأمر الواقع، على نجاح الحزب في تعطيل الاستحقاق الرئاسي كل هذا الوقت.

ثمة اختيار ينبغي ان يحصل بالنهاية: فاما ان الاولوية هي منع وصول أي مرشح حليف او موال لـ«حزب الله» الى الرئاسة، واما ان الاولوية هي وضع حد للفراغ الرئاسي، الفرعي، قبل ان يتحول الى حالة فراغ عامة ومطبقة.

أي نقد لمسعى بعينه لانهاء الفراغ لا بد أن ينطلق اما من موقع تزكية مسعى آخر، يختلف في الأسلوب والشخص المقترح لانهاء الفراغ به، لكنه يتلاقى في الهدف، في العمل على انتخاب رئيس للدولة. والا لن يكون لهذا النقد مضمون سياسي، غير الانفعال.

ثم ان المواقع السياسية جميعها متحرّكة، وتمادي الفراغ الدستوري يظهرها بخلاف ذلك، كمواقع جامدة، كما لو أن القرب والبعد من خط غلبة «حزب الله» وخط تسويغ حروبه هو نفسه لا يتبدّل ولا يتحسّن. صحيح ان المسعى لانهاء الفراغ لا يكفل لوحده تبديل هذه الخارطة من المواقع، وهذه الشبكة من الالتزامات، لكنه يكفيه اعادة خلط الأوراق، واظهار ان التناقضات السياسية في هذا البلد ليست كلها في متناول ادارة «حزب الله» لها، يقولبها ويوجهها على هواه، و«حشره» في وضعية محرج فيها جدياً، ويصعب عليه فيها اعطاء مبررات اضافية لاسناده حال الفراغ. بالتوازي، التنبه الى ان الحزب لن يقف مكتوف الأيدي، وأنّ حرجه الراهن في الموضوع الرئاسي هو فعلاً أمر جدّي، وأن لديه دائماً خطة بديلة، كمثل السماح بانتخاب رئيس والحؤول دون تشكيل حكومة جديدة، أو حتى خطط تشبه مسيرة الحزب «الفنية» في الميدان اللبناني منذ وجد، هو تنبّه ضروري.

ان تتلاقى اكبر قوتين شكلتا في العقد الماضي الفضاء المتحزب للحركة الاستقلالية، على المسعى لانهاء الفراغ، وتختلفان في الشخص المقترح منذ عام، ثم يستغنى عن هذا الاختلاف حول الشخص بعد عام، فهذا له ايجابياته وسلبياته. كان من الافضل طبعاً لو اننا امام مشهد حركة استقلالية جامعة توصل مرشحها للرئاسة، وتتفق على قانون انتخاب من وحي منظارها التوحيدي الاستقلالي للبلد، وتتطور تجربتها في العمل الجبهوي. لكن ما كل ما يتمناه المرء يتحقق. وهذه الحركة الاستقلالية افترقت أيضاً، منذ ثلاث سنوات، على خلفية القانون الانتخابي، وبعده الموضوع الرئاسي، وضمنياً على قراءة المسارات والموازين الاقليمية.

في نفس الوقت، بقي الركنان السياسيان الاوسعان في هذه الحركة يسعيان الى سد الفراغ، اولاً بتسمية مرشح هذه الحركة، الدكتور سمير جعجع، ثم بالافتراق حول احد مرشحي الثامن من آذار، وثالثاً حول المبادرة بعد عام على هذا الافتراق باتجاه الاسم الذي يبدو ان له حظاً أسرع لملء الفراغ، وان الطرف المعطل للاستحقاق، «حزب الله» الذي برّر هذا التعطيل بعدم الاجماع حول هذا الاسم، سيفقد بالتالي ذريعته.

التقارب مجدداً في الموضوع الرئاسي، بين قطبي (ما كان يعرف؟) بالرابع عشر من آذار، لم يترجم الى الآن مناخاً من التقارب في السياسة بشكل أوثق، مع أنه يوجد حيثية جدية وحقيقية لأجل ذلك، تماماً مثلما أنه يوجد مناخات من الوصل بين «كل ما ليس حزب الله» في هذا البلد، أياً كان موقع كل فريق من «حزب الله»، وهذا أيضاً معطى مهم للمرحلة المقبلة، وهو كمعطى لا ينبغي هدره بالتصادم مع حركة «أمل»، عوض تحسين شروط المواجهة مع الفريق الأساسي الذي يتناقض كيانه، بشكل حاد، مع استقرار الكيانية اللبنانية، وتجاوزها لعهود من «الصراع على الغلبة»: «حزب الله».