Site icon IMLebanon

سجعان قزي المفصول من «الكتائب»: لن أغادر وزارتي!

غالبا ما كان الوزير سجعان قزي من دائرة المبشّرين الدائمين بطول صبر الرئيس تمام سلام و «صموده» بوجه «الزلازل» داخل حكومته، وهو بالطبع من أوائل من كان يزفّ خبر عودة «دولته» عن قرار الاستقالة «لأن الوطن أهمّ». بَرَمت الازمة «برمتها» لتحطّ رحالها في الصيفي، لكن تطمينات قزي هذه المرّة بإمكانية عودة «الكتائب» عن الاستقالة، لم تصمد طويلا.. والأسوأ: صرف تعسّفي لوزير العمل!

سامي الجميل قرّر الذهاب بالتصعيد نحو الحدّ الاقصى: لا شيء اسمه وزير يصرّف الاعمال، مع قرار بفصل الوزير سجعان قزي نهائيا من «حزب الكتائب». القراران اتّخذا بالاجماع، لكن الثاني خرقه صوت واحد هو مستشاره سمير خلف. اجتماع المكتب السياسي المفترض ان يكون روتينيا، بدا، أمس، كمن يرمي قنبلة بوجه حتّى تمام سلام: مشكلتك وليست مشكلتنا ايجاد مخرج للاستقالة الكتائبية!

لكن عمليا، صباح اليوم سيداوم الوزير قزي، المفصول من الحزب، في مكتبه في العازارية ويقوم بأعمال الوزارة كالمعتاد، ولاحقا قد يلتحق بجلسات مجلس الوزراء ممثلا، كما يقول، «الكتائبيين والمسيحيين والموارنة وبكركي والخط الوطني… لأن دوري لم ينته». أما الخيار الاوحد أمام الرئيس سلام فهو الطلب من الوزير حسين الحاج حسن، الوزير بالوكالة، تصريف الاعمال بالنيابة عن الوزير الكتائبي المستقيل آلان حكيم.

تقول أوساط حزبية: حين نسمع من الرئيس سلام ان الحكومة قائمة على قاعدة «مرقلي لمرقلك» وتمرير الصفقات ماشي والفساد ينخر في عظامها، فإن مصداقيتنا تفرض علينا قطع «حبل السرّة» معها…

وبشأن فصل قزي تقول الاوساط «مع احترامنا للوزير، لكن فداحة المخالفات التي ارتكبها وتناقضها مع أبسط القواعد الحزبية، وضعانا أمام هذا الخيار. هذه الامانة الوزارية اعطيت لقزي بصفته الحزبية الكتائبية، ولذلك يفترض ان يردّها بعد فصله من الحزب». سيعتبر قزي نفسه غير معني بالكلام «طالما أنه يمثّل مسارا بدأ منذ الـ 75 حتى اليوم، كان مطروحا للتوزير في حكومة العهد الاولى لبشير الجميل عام 1982».

اكتفى قزي بطلّة يتيمة صباحا من السرايا، أمس، بعد اجتماع مع رئيس الحكومة حيث بدا متمسّكا بقناعاته من حدود استقالة «الكتائب»، لكن بلهجة مخفّفة محاولا تمرير رسالة ايجابية الى القيادة الحزبية، لكن القرار كان متّخذا مسبقا، برأي قزي، «وربما حتى قبل الاستقالة أصلا»!.

قال للرئيس سلام رأيه بالاستقالة ومحاذيرها، ثم تقشّف بالكلام والظهور الى حدّ عدم حضوره اجتماع المكتب السياسي، بعدما تبلّغ من الرئيس أمين الجميل شخصيا توجّه المكتب السياسي لفصله من الحزب، مع العلم ان الاخير حاول ثنيه عن قرار تصريف الاعمال ولم يفلح.

في جلسة التصويت على قرار الاستقالة قبل أسبوع، تمّ الاتفاق على ان يتّخذ المكتب السياسي في اجتماع الاثنين القرار الحاسم بشأن الترجمة العملية للاستقالة، وذلك بناء على دراسة قانونية طلبها الجميل من فريقه الاستشاري، وهذا يعني ان مسألة تصريف الاعمال لم تكن محسومة، بخلاف ما كان يؤكّد قزي.

لكن النفوس المحقونة عجّلت لاحقا في اندلاع الخلاف الكتائبي المكتوم: فريق أيّد شطب «الكتائب» من حكومة سلام وصولا الى تخلّي سجعان قزي والان حكيم عن توقيعيهما على القرارات والاحجام حتّى عن تصريف الاعمال، وفريق على رأسه قزي يجاهر بخطيئة إدارة الظهر للحكومة والوزارات «من أجل مكبّ نفايات»!

في اليومين الماضيين تابع سامي الجميل من الخارج عبر الهاتف مع مستشاريه، ارتدادات الاستقالة داخل حزبه وخارجه وتصريحات قزي «المتمرّدة»، وقد وصل مساء اول من أمس الى بيروت وشارك في اجتماع المكتب السياسي، واستبقه باجتماع مع حلقة ضيقة من مساعديه أفضى الى تكريس قرار الفصل على قاعدة «سيشكّل سجعان قزي درسا لكل كتائبي يتمرّد على قرارات القيادة الحزبية!».

خلال اجتماع المكتب السياسي قدّمت الامانة العامة مطالعة شاملة وموثّقة بالادلة حول «المخالفات الجسيمة» التي ارتكبها قزي بعد إعلان الجميل قرار الاستقالة من الحكومة، ومع ان قرار الفصل اتى بشبه إجماع، إلا ان عدة أعضاء في المكتب السياسي حاولوا خفض «العقوبة» بحق قزي مع إقرارهم بالمخالفات التي ارتكبها.

بعيد انتهاء المؤتمر الصحافي لرئيس «حزب الكتائب» سامي الجميل الذي أعلن فيه استقالة وزيريّ «الكتائب» من الحكومة، اتّصل احد اصدقاء الوزير قزي به سائلا إياه بعفوية «ما هذه الابتسامة الخبيثة؟».

لم يكن صديق وزير العمل من يشكّ وحده في جدّية استيعاب قزي لمبرّرات الاستقالة والتي ارتسمت على شكل ابتسامات فاترة على وجهه، وتصفيقا وإشهارا مؤقتا بـ «الجهاد» الى جانب الشيخ سامي «في مشروعه الجديد في التغيير الصحيح والصحّي»… من خارج الحكومة.

لكن «التمثيلية» لم تدم طويلا. ليس سجعان قزي من محبّي «الاستعراضات الشعبية» والمزايدات حين تكّلف الحزب العريق خروجا من الحكومة وتخلّيا عن الحصة الوزارية الادسم للصيفي في الحكومات منذ العام 2005، والأهمّ «تشليحا» لاحد وزيريّ «الكتائب» لصلاحيات صار خبيرا بدهاليزها.

لم يكن تفصيلا أنه في اللحظة التي كان فيها مستشارو النائب الجميل ومساعدوه يطلقون هاشتاغ «حزب الاوادم» ويجزمون بأن الوزيرين سجعان قزي وآلان حكيم لن يقوما بتصريف الأعمال لا من المكتب ولا من المنزل، «لأن تصريف الأعمال تقوم به الحكومة وليس الوزير المستقيل»، وبأن التصعيد سيكون سمة المرحلة من خارج الحكومة، كان الوزير «الحردان» يردّ على كل سائليه بأنه باق في وزارته «يصرّف ويتصرّف»، معدّدا في كل مرّة الملفات التي تقع ضمن نطاق صلاحيته والتي لا يجوز إدارة الظهر لها «كرمى لبعض من الشعبوية التي ليست في محلها».

والأهمّ ان قزي كان يرى ان حتى حضور جلسات مجلس الوزراء واللجان المشارك فيها يجب أن يستمر طالما ان الاستقالة سياسية ولا مفاعيل دستورية لها بدليل إحجام سامي الجميل نفسه عن تقديمها خطيا وفق الاصول بسبب عدم وجود رئيس للجمهورية.

لكن بالطبع المشكلة أعمق من ذلك بكثير. ان يكون سجعان قزي وزيرا في عهد «الرئيس» سامي شيء، والرئيس أمين شيء آخر. منذ حزيران 2015، تاريخ انتخاب «الشيخ سامي» رئيسا للحزب، اي بعد عام وستة اشهر من تعيين قزي وزيرا، شعر الاخير بـ «خلية ظل» ألّفها الجميل الابن تواكب عمل الوزراء الثلاثة المحسوبين من حصة الصيفي في السرايا، مع ذلك أوجد الرجل هامشا كبيرا له في حريّة التصرّف والحسم متجاوزا أحيانا كثيرة إملاءات القيادة الحزبية.

وطوال فترة تلويح الجميل «بما هو أعظم» ردّا على غرق الحكومة في فسادها وعجزها كان قزي يقف بالمرصاد لمحاولات أخذ «الكتائب» الى فخّ الاستقالة الذي لن يشكّل سوى «تقاعدا» ليس في محلّه خصوصا ان الشغور الرئاسي قد يطول اكثر فأكثر وبالتالي لا مؤشرات قريبة لولادة حكومة جديدة.

قبل ذلك لم يكن الوئام الحزبي حاضرا بين ابن جيل عهود بشير الجميل وايلي حبيقة وامين الجميل ونجل رئيس الجمهورية الاسبق. لكل عقليته وأسلوبه وشخصيته وقناعاته في «الشغل» الحزبي والسياسي. وصل الامر الى حدّ مجاهرة قزي بأن من شارك بشير الجميل في اتّخاذ القرارات الكبرى والمصيرية، لن يقبل بالخضوع لقرار، ليس فقط لم يكن شريكا فيه، بل يناقض مصلحة «حزب الكتائب» و «اتُّخِذ من أجل لا شيء».

شعر أحد رجالات ورموز «حزب الكتائب» فعلا أنه محاصر، ليس فقط من جانب سامي بل الطامحين لأخذ مكانه. خبرة حزبية ومروحة من العلاقات راكمها حين لم يكن من يلاصق «الشيخ سامي» اليوم قد ولد بعد. عمليا استنفد الرجل تقريبا كل أدواره الحزبية والتنظيرية، من ضمن طاقم «الحرس القديم»، والتي توّجت بنيابة الرئاسة وبموقعه كمستشار للرئيس أمين الجميل، بعد ان شغل لسنوات منصب رئيس اقليم كسروان الكتائبي، لينحصر دوره اليوم في عضوية المكتب السياسي.

صديق بشير الجميل تصرّف على أساس أنه حالة وزارية لا يجوز لـ «الانفعالات» الشخصية ان تنهيها بشحطة قلم. الوزير الحالي والمرشح الدائم للنيابة، لم يكن محبوبا من كل فريق عمل سامي الجميل. أما علاقته مع نائب رئيس حزب «الكتائب» الحالي والوزير السابق سليم الصايغ فعلى حالها من الجفاء بحكم الكيمياء الغائبة والصراع الخافت بينهما، ولم يزدها سوءا سوى حدّة تصريحات الصايغ المكثّفة هذه الايام بأن «هناك منظومة ومافيا ومغارة علي بابا داخل الحكومة وباتت الامور مفضوحة بشكل انه اصبح من المعيب اخلاقيا الاستمرار بالوضع كما هو».

أمين الجميّل: طلبت التقيّد بقرارات القيادة

أوضح الرئيس أمين الجميل، لـ «السفير» انه اتصل بالوزير سجعان قزي مستبقاً كل هذا السجال «وطلب منه ضرورة التقيّد بقرارات القيادة الحزبية مهما كانت. وكان رد الوزير قزي إيجابياً».

وقال الرئيس الجميل انه آل على نفسه «عدم التدخل في قرارات المكتب السياسي، واثقاً من القيادة الكتائبية ومن سلامة الآلية الحزبية التي تنتج قراراتها وفق الأصول واستناداً الى نظام الحزب ومبادئه وتقاليده. والقرار الأخير للمكتب السياسي بالاستقالة من الحكومة يندرج في هذا السياق ومن منطلق المصلحة الوطنية العليا، لا سيما أن القرار اتخذ بشبه إجماع وبعد إشباعه درساً».

ونفى الجميل ما ورد لجهة «انه كان من أشد الرافضين للاستقالة وحاول جاهداً إقناع ابنه رئيس الحزب سامي الجميّل بعدم الإقدام عليها».