Site icon IMLebanon

سلعاتا تسبح بالمجارير ومحطّات الصرف “خلقوها وعطّلوها”

 

 

القسطل “مسطّم” والمازوت مقطوع

 

في كلِ مرة يعبر فيها أهالي كسروان تحت جسر طبرجا يرددون مثل الببغاء: الله يرحم فؤاد شهاب. فهو الذي بنى شبكة الصرف الصحي هناك وكان عدد السكان في كل كسروان عشرة آلاف نسمة. اليوم يبلغ عدد سكان القضاء القاطنين 202000 نسمة وما زالت الشبكة نفسها. الله يرحمك فؤاد شهاب.

 

بعد طبرجا، في قضاء البترون، تقع مدينة سلعاتا التي يفترض أن تكون محظوظة “مائياً” لوجودها في نطاق من حكم قطاع الطاقة والمياه والصرف الصحي أكثر من أحد عشر عاماً، لكنها اليوم تصرخ. سلعاتا تصرخ “آخ” وهي تتنشق ليل نهار، منذ أكثر من عشرة أيام، المجارير التي تصب على شاطئها وفي بحرها. ننظر في بحر سلعاتا فنرى براز المناطق المحيطة، مجارير كفرعبيدا وعبرين ومدينة البترون وحامات ووجه البحر وكوبا، تسبح حرّة طليقة وكأن لا أحد غير سلعاتا يرى ويشمّ!

 

إدارة فاسدة

 

لا نستغرب ما نراه ونتنشقه فلبنان كله واقعٌ في “مجرور” كبير. كل لبنان يتألم لكن، سلعاتا تصرخ. فما بالها بالتفصيل؟ رئيس بلدية سلعاتا جورج سلوم نزل البارحة الى الشاطئ، مع عناصر من أمن الدولة، وسبحوا جميعاً في فيضان المجارير وهم يبحثون عن المشكلة التي تسببت بفيضان المجارير في محطة التكرير في المنطقة. وتعليقه الأول: “ثمة إدارة فاسدة” ويشرح “سبق ووجهتُ إنذاراً قبل عام بالتمام والكمال حين كانت الوحول الناجمة عن التكرير تتراكم حول المحطة وتتسبب بروائح كريهة وذباب وحشرات. بلّغتُ مجلس الإنماء والإعمار. وتحركتُ في كل الإتجاهات علماً أن لا مسؤولية علينا في ما يحصل. وبدلاً من أن تُحلّ المشكلة القديمة وقعنا منذ أيام في مشكلة أكبر. ذهبنا الى محطة التكرير مع عناصر أمنية فقيل لنا أن القسطل “مسطّم” (مقفل) وتحتاج المحطة الى غطاس ليفتحه وهو لن يأتي قبل مساء يوم الخميس أو صباح يوم الجمعة. سألنا أكثر فقيل لنا أن محطة التكرير غير قادرة ان تعمل لأن لا مازوت لديها. فكيف هناك مازوت للمنتجعات وليس لمحطة الصرف الصحي؟”.

 

يسأل رئيس بلدية سلعاتا ذلك مؤكداً أنه أرسل البارحة كتاباً في الموضوع الى محافظ الشمال رمزي نهرا. مختار البلدة جوزف سلوم يتحدث بدوره عن وضعٍ كارثي ويقول “المنطقة عائمة بالمجارير، وهذه المحطة أنشئت قبل نحو خمسة أعوام لتستوعب ألف متر مكعب فصُبّ فيها 5000 متر مكعب. ومدير المحطة فرنسي، نسأل عنه لمراجعته فيُقال لنا: هو في بيروت. فهل علينا أن ننتظره؟ هل علينا أن ننتظر الغطاس ليفتح الأنبوب المسطوم؟ أم علينا أن ننتظر حصول المحطة على مازوت؟ هل علينا أن نتعايش مع المجارير حتى إشعار آخر؟”.

 

نسمع “البترونيين” يعلنون في مجالسهم عن محطات تكرير تتوقف تباعاً. محطة سلعاتا متوقفة. محطة التكرير بين شكا وأنفه ستتوقف قريباً… إنهم يتحدثون عن نية الإدارات الفرنسية لمحطات التكرير في القضاء التوقف عن الصيانة والإدارة. وهذا معناه أننا متجهون الى كارثة بيئية أخرى حقيقية.

 

هبات ذهبت هباء

 

ما رأي مدير عام الإستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون؟

 

يُشدد بيضون على أن قصّة محطات الصرف الصحي قديمة- متجددة “في بلد متخلف مثل لبنان” ويسرد خبرية حصلت معه “كنتُ ذات يوم برفقة ممثل وكالة التنمية الفرنسية في كسروان فنظر الى الجبال والشواطئ وجمال الطبيعة وقال لي: لا أحد يُصدق أن بلداً لديه كل هذه المجمعات والفخامة والفنادق والأضواء ليست فيه بنية تحتية وصرف صحي. أكثر الدول الأفريقية فقراً أفضل، لهذه الجهة، من هذا البلد”.

“خبرية” ندركها لكن سماعها يؤلم. ويقول بيضون “منحنا هبات لإنشاء محطات صرف على أن تقوم الدولة اللبنانية بالخطوات التي يفترض أن تلي، من إنشاء شبكات مجارير تنقل كميات الصرف الصحي والمياه الآسنة الى المحطات وتعالجها وتحولها الى مياه قابلة للإستخدام الزراعي، لكن ما حصل أن مؤسسات المياه العامة التي أنشئت لهذه الغاية ولدت عرجاء، يتحكم بها وزراء الطاقة، الذين لم يُشكلوا هيكلياتها البشرية. هؤلاء خلقوها وعطلوها. فاستمرت قاصرة من حيث القدرات الفنية والمالية، فاعتمدت على المساعدات والمساهمات والهبات من الدول التي تشفق علينا. وهذا ما أبقاها عاجزة عن إستكمال بناء الشبكات أو صيانتها وتشغيل المحطات النموذجية”.

 

مؤسسات المياه إستمرت عاجزة في دولة عاجزة، وبدل أن تهتم وزارة الطاقة والمياه بتفعيلها إنهمكت في شؤون السدود، فاستمرت تلك المؤسسات “تشحذ” وتستعين الوزارة بمجلس الإنماء والإعمار، واستمرت المؤسسات تتكل على المجلس بدلاً من أن تدير محطات الصرف وسواها بنفسِها. و”هذا ما حدث بالضبط، بحسب رئيس بلدية سلعاتا، مع محطة الصرف في المنطقة “.

مؤسسات المياه في لبنان لم تبلغ يوماً “سن الرشد”. ويقول بيضون “سألت ذات يوم وزير الطاقة والمياه السابق آرثور نزاريان: لماذا لا تعملون على ملء الشواغر في مؤسسات المياه في لبنان فأجابني: “ما معنا مصاري” فقلت له: أعطوا المال الذي يُهدر الى مؤسسات المياه فتُصبح قادرة على القيام بما عليها. ويستطرد: وحدها مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان استطاعت تلبية إحتياجاتها من الوجهة المالية فما كان من وزارة الطاقة إلا أن أخذت الوفر المالي الذي لديها لإنشاء سد جنة. وما ادراكم ما هو سدّ جنة”.

 

فساد تحت عين الشمس يكاد لا ينتهي. لا شيء فعلوه “صحّ” وفي الآخر يطل من يقول: ما خلونا! يكفي أن نقف عند شاطئ سلعاتا وننظر الى البحر ونأخذ نفساً عميقاً لندرك بعض ما فعلوه بيئياً. ونحن من ندفع الثمن أولاً وآخراً. هناك 22 محطة تكرير تابعة لمجلس الإنماء والإعمار على طول الشاطئ و65 محطة تابعة للبلديات ومؤسسات المياه. وفي كل محطة ألف ثغرة وثغرة. يا حرام ما فعلوه باللبنانيين. فلنصغِ في هذا الشأن الى مدير عام الإستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه الذي يعرف الكثير. يقول: “في كل مكان “مدّ” يده الإصلاح والتغيير ظهر فيه تقصير وطموحات أكبر من قدرة البلد. جبران باسيل راح (ويستمر) “يفقع” النظريات وكل من ساعدوه في وضع الإستراتيجيات هربوا. لم يثبت ذاك الرجل يوماً على توجه واستراتيجية وفشل دائماً. والفشل مثله مثل العتمة لا يحتاج الى دليل “فالعتمة ما بدا ضوّ لنراها”.

 

هناك أمر آخر يُخبرنا إياه غسان بيضون يجعلنا ندرك في أي وضع مظلم نحن فيه “كانوا يتقاتلون سنوياً في وزارة الطاقة من أجل وضع تعرفة تجريبية للصرف الصحي على بيوت غير موصولة بشبكات الصرف. وكنا نسأل: كيف ذلك؟ فيجيبون: خلينا نعوّد الناس”.

 

كل شيء سار في المقلوب حتى أصبحنا في وضع هستيري على كل الصعد.

 

مجرور الـ “إيدن باي”

 

ونحن ننظر الى شاطئ سلعاتا نتذكر فيضان مجرور “إيدن باي” قبل عامين في منطقة الرملة البيضاء وكل ذلك حماية لصاحب مشروع مخالف بنى على الأملاك البحرية. كل شيء كان جائزاً ودائماً على حساب الشعب.

 

محطة الصرف الصحي في سلعاتا لا تزال بيد الإدارة الفرنسية. والمدير في بيروت. والقسطل “مسطوم” والمازوت مقطوع. ماذا يعني كل ذلك؟ أن يتنشق السكان في الجوار رائحة البراز الى أن يأتي حلّ من مكان ما. قولوا الله.

 

قبل ان نختم، يذكرنا احدهم بذاك الإصرار الذي مارسه جبران باسيل قبل أقل من عامين من أجل إنشاء محطة كهرباء أو “معمل مسيحي” في سلعاتا، نكاية بمحطة كهرباء يطالب بها المسلمون. له، لجبران باسيل، يقول أحد أبناء سلعاتا: ما دمت تصرّ دائماً أن تتحدث باسم الموارنة نُخبرك أن موارنة سلعاتا “قرفانين” من كل ما فعلتموه بهم. فهل نجد لديك حبوباً للقرف؟