Site icon IMLebanon

المسيحيون يستنجدون بمار سمعان… نجّنا من الأعظم!

 

إنسوا “سلعاتا” وركّزوا على تهريب المازوت

إبن سلعاتا ورئيس بلديتها جورج سلوم كان يلعب كرة القدم مع ابن البترون جبران باسيل وكان الأول يغلب دائما الثاني لأن “فشخته” لطولِهِ، أوسع ورأسه، في ردِّ الطابة، أقوى… تُرى، لمن الغلبة اليوم في سلعاتا جارة البترون؟

تكرر اسم “سلعاتا” في الأسبوعين الماضيين كثيراً واحتلت مساحات إخبارية أوسع من أخبار “فيروس كورونا”، مع كثير من الأرقام والتعليقات والتوقعات والتواريخ. و”طلع” على ألسنة الكثيرين “الشعر” وهم يتحدثون عن “معمل مسيحي” وحقوق ضائعة وضرورات الكهرباء 24 على 24 يقابلهم من يتحدثون عمن “يتخطون كل الحقوق” باسمِ المسيحيين غالبا! فمن نصدق؟ وماذا في دهاليز عتمة الكهرباء؟

 

تفصل بين البترون وسلعاتا بلدة كبا، والفارق بين الإثنتين كما المسافة بين السماء والأرض، ففي الأولى ليموناضة بترونية لذيذة وفي الثانية غبار معامل الكيماويات وروائح الصرف الصحي الكريهة والزيوت التي تنبعث في الأجواء ملوثة الأرض والعباد. فهل لهذا السبب أقسم جبران باسيل اليمين بجعل معمل الكهرباء الجديد على شاطئ سلعاتا؟ هل من يدفع مرة الفاتورة البيئية عليه أن يدفع في كل مرة؟ وهل مسيحيو سلعاتا سعداء لمبدأ 6 و6 مكرر على شاطئهم؟

كل ما سمعناه في الأسبوعين الماضيين هو مجرد “شط ومط” بين طرفين: من يريد معمل كهرباء مسيحي في سلعاتا وبين مسيحيين لا يريدون معمل كهرباء، محسوب على طائفتهم، في سلعاتا. الطفل رافاييل، الذي يسكن في منزل، مليء بصوَر القديسين، محاذ للأرض التي يراد تحويلها الى معمل كهرباء يردد ما سمعه من أهله وجيران أهله: ما بدنا كهرباء بدنا شط وبحر وشمس. يرسم إشارة الصليب على جبينه ويخرج ليلعب عند حفافي معمل تصريف المياه المبتذلة في البلدة.

 

غريبة حقا هي سلعاتا المتكئة على الشاطئ الشمالي الذي يفترض أن يكون جميلا. كلهم يتكلمون عنها وهي تتأهب لصدّ الأسوأ. البلدية في نصف البلدة، في مبنى متواضع، بديل ذاك المبنى البلدي الذي تحوّل الى مدرسة رسمية وحيدة في كل البلدة. المدرسة أقفلت هذه السنة نهائيا وأولاد سلعاتا يتعلمون في مدارس البترون. ورئيس البلدية جورج سلوم لديه الكثير ليقوله بعد. “فهو من صنف البشر الذين لا يتعبون ولا يملون” يعلق أحد ساكني سلعاتا. هو مقاتل جيّد في ملعب كرة القدم وفي المطالبة بالقضايا المحقّة.

 

سلعاتا المسيحية المارونية، أعطت كثيراً من الشهداء، ولا تزال بعض الخربشات على الحيطان تُخبر عن حقبة “قوات الردع” هناك. هي بلدة مسماة على الكتائب ثم أصبحت كتائبية- قواتية وتضم اليوم بعض المنتسبين الى التيار الوطني الحر. تصدّت سلعاتا، مثلها مثل شكا وكفرعبيدا واده، للإعتداءات الخارجية بالروح وبالدم. ولم ينس أهالي تلك البلدات البترونية يوم زار بلاد البترون الإمام موسى الصدر ليرى أحوال، على ما ذكر الكاتب نبيل يوسف، البلدات الشيعية هناك داعل ودير بلا ورشكيدا ويومها قال للمسيحيين والمسلمين: “إنتو ديروا بالكم على بعض”.

تلك هي سلعاتا. لكن، ها هي تستعدّ اليوم لتضم، غصباً عنها، باسم الدفاع عن المسيحيين، محطة كهرباء تؤثر على أمانها. محطة ستكون، على ما قال رئيس البلدية، أشبه بقنبلة موقوتة الى جانب معمل للزيوت ومطار حامات والرادار الذي قصفته إسرائيل العام 2006 فماذا يمنع، ونحن على شاطئ أبيض متوسط غير آمن بوجود إسرائيل و”حزب الله”، أن تُقصف. أتتصورون ماذا قد يحصل؟ بيت رئيس البلدية يبعد 500 متر عن المكان المخصص للمحطة. جانو، الصبية التي ولدت في سلعاتا وتزوجت في سلعاتا، تسكن في أقرب منزل الى المعامل والمكان الذي قد تُنشأ فيه المحطة، ورجاؤها الآن أن “ينير الرب الرؤوس ويبعدوا عن سلعاتا هذه المحطة لأن ما فيها…يكفيها”.

 

سلعاتا المسيحية لا تريد، بنسبة 99 في المئة، محطة الكهرباء المسماة على المسيحيين. رئيس البلدية جورج سلوم يُخبر عن إجتماع جرى في سلعاتا، في اليومين الماضيين، بين أحد مستشاري الوزير جبران باسيل خالد نخلة والعونيين وكان هناك شبه اجماع على رفض المحطة في سلعاتا. وتوجه أحدهم لنخلة في الإجتماع بالقول: هل تريدون ان نحمل علم التيار الوطني الحرّ ونقول نحنا ضد المحطة؟

 

هل سننام ونستيقظ ونجد أن الإستملاكات قد تمّت والمحطة قد أنشئت في سلعاتا والكهرباء أصبحت 24 ساعة على 24؟

 

مسؤول واكب كل مراحل خطط الكهرباء في لبنان وفصولها يجيب بلهجة فيها كثير من الجزم والحسم: “معمل سلعاتا جزء من خطة الكهرباء التي وضعت كي لا تنفذ”. هل نفهم أن سلعاتا لن تكون كما معملي الزهراني ودير عمار؟ هل كل ما نراه اليوم مجرد إهدار للوقت والأعصاب؟ يجيب بسؤال: “لماذا دخل معمل سلعاتا في الخطة التي جرى تحديثها أيام الوزيرة ندى البستاني؟ أدخلوا على الخطة معملاً جديداً في حين كان الكلام في البداية عن معملي الزهراني ودير عمار. تذرعوا ببناء معمل جديد بحجة تقنية، من أجل التوازن في الشبكة، لكن الواضح ان هذه الخطة تستوجب كلفة إضافية لإنشاء المعمل عدا الإستملاكات. وهذا الشق قد ينفذ لكن السؤال، هل سيكون هناك، بعد تنفيذ الإستملاكات، معمل للكهرباء في سلعاتا؟ يعود ويكرر العالِم في “البيضة والتقشيرة” بما خص كيفية إدارة قطاع الكهرباء أن هذه الخطة غير قابلة للتنفيذ لأنها تعتمد على إنشاء محطات تعمل على الغاز وهدفها أن تأتي بالغاز كي تصبح أكثر وفراً، لكن لتأتي به، عليها إنشاء ثلاث محطات ناقلات ضخمة توضع في عرض البحر وتعمل على تخزين الغاز واستجراره الى المعامل، وكلفتها ضخمة جداً، وأكبر بكثير من كلفة إنشاء محطات للكهرباء، وبالتالي إذا كانت كلفة إنشاء ثلاث محطات ملياري دولار فإن كلفة إستجرار الغاز تزيد عن 13 مليار دولار فهل لدى لبنان حاليا 15 مليار دولار ليُنفذ المحطات الثلاث؟ الجواب الطبيعي طبعاً لا.

 

إنهم يضحكون علينا مرة جديدة ويجعلوننا نلهو بأمور “يهندسونها” كما يشاؤون وكأنهم بذلك يشترون الوقت.

كهرباء أم لا كهرباء؟ سلعاتا أم لا؟ سلعاتا أو حنوش؟ هل يربح جبران باسيل أم أهل سلعاتا؟ ما لا يعرفه كثيرون أن أعصاب البشر ليست ملعب “فوتبول”! فلنتابع بسؤال، ماذا لو قُدمت المبالغ المطلوبة لاستجرار الغاز من مؤسسات عالمية؟ يجيب “الكهربائي المخضرم”: “يمكنهم التفاوض ربما مع سيمنس أو مع سواها ويُنشئون ديناً جديداً على لبنان لكن سيصطدم الجميع مجدداً بأن الخطة معدّة من الأساس لجعل معامل الغاز تشتغل على المازوت. هناك مجموعة مصالح وكلنا نعلم أن مصرف لبنان يستورد ضعف حاجة البلد من هذه المادة التي يعاد تهريبها الى سوريا، وهناك أيضا منظومة الموتورات، يعني تدفع الدولة ثمن المازوت ويستفيد منه كثيرون من أصحاب المصالح. وكما نعرف أيضاً وأيضاً أن تمويل خطة الكهرباء تكون دائما قبل الموازنة، إنهم يؤمنون تمويل خطة الكهرباء ثم يعملون على حسمها من الموازنة. أموال دعم البنزين يفترض أن تبقى والغاز يفترض ألّا يأتي والكهرباء 24 على 24 لن تتحقق ربما في زماننا. فالخطة، من الأساس، غير قابلة للتنفيذ. الخطة “خربت” الموازنة العامة وسببت تراكم الديون الضخمة على لبنان وممنوع أن تتغير لأن هناك مصالح عابرة للحدود تقتضي استيراد المازوت وتهريبه والإستفادة منه. ولهذا نقول لن يُنفذ من سلعاتا إلا الإستملاكات التي تؤمن مصالح البعض كون كلفتها 209 ملايين دولار، تدفعها الدولة اللبنانية مباشرة. وأكثر من هذا لن يحصل ولن نرى.

 

نعود الى سلعاتا. وحدها أشجار الكينا والزنزلخت والسنديان تقهر غبار وتلوث المعامل في البلدة وتصمد وتعيش. البلدية زرعت الكينا في كل مكان وأعادت، عبر خطط بيئية، تخفيف نسبة التلوث في بلدة تضم اليوم نحو 150 مسكنا يعيش فيها ما يزيد عن 600 نسمة ممن آثروا البقاء في بلدتهم . الدنيا حرّ والشمس حارقة وآرمة أهلا بكم في سلعاتا مغطاة بغبار سميك. السكان يعانون من مشاكل رئوية لكن لا حالات سرطانية. يُطمئننا رئيس البلدية ويقول: “ظلوا يرددون سلعاتا سلعاتا من أجل نقل المحطة من بلدة حنوش المحاذية الى بلدة سلعاتا. وحنوش كانت في نطاق سلعاتا العقاري غير أنها أصبحت تابعة لحامات. كانت حنوش- سلعاتا فأصبحت حنوش- حامات، غير أن الجميع ما زالوا يحسبونها في نطاق بلدتنا. ويستطرد: فوجئنا في أيلول الماضي ببعض الطوبوغرافيين والجيولوجيين يعملون على الشاطئ، قرب مرفأ شركة الزيوت. أرسلتُ الشرطة وراءهم فقالوا إنهم يعملون على نقل المحطة من حنوش الى سلعاتا. وبدأت مشكلتنا منذ ذلك الحين. تبليغات ومراجعات وشكاوى وردود، وردود على الردود وأسباب موجبة وأسباب غير موجبة وأرقام غريبة عجيبة… قالوا إنهم نقلوا المحطة الى هنا لأن أسعار العقار هنا أرخص بنسبة 25 في المئة من حنوش وهذا غير صحيح أبدا. ابن مجوهرات بونجا إشترى 26 ألف متر في حنوش من المحامي عوني تامر بخمسة ملايين دولار. هذا يعني أن متر الأرض هناك لا يتعدى 200 دولار في حين يرفض إبن سلعاتا أن يبيع بأقل من 1500 دولار للمتر.

 

لماذا هذا الإختلاف الكبير في السعر ما دامت الأرض نفسها، تتمدد على البحر، وهناك في حنوش لا تلوث؟ يجيب سلوم: لأن سلعاتا أقرب الى البترون ما يزيد طلب إقامة مشاريع سياحية فيها، في حين أن حنوش باتت أقرب الى شكا والهري المليئتين بالمنتجعات.

 

نتجه نحو حنوش. شاطئ وشمس وبحر. وهناك في آخر نطاق البلدة، في اتجاه الشمال، كانت النقطة التي يفترض إنشاء المحطة عليها لكن، بسحر ساحر، نقل الموقع من هنا الى سلعاتا. الإستملاكات حصلت، منذ العام 1978، هنا. لكن هناك من استردوا بمراجعات قضائية أملاكهم ولا تزال مساحة 35 ألف متر مملوكة من مؤسسة كهرباء لبنان. ومنذ أعوام قليلة، في برمجة لخطة ما، جرى تصنيف منطقة حنوش سياحية. لا يوجد أي مسكن في حنوش. البلدة شاغرة. هناك بناء وحيد شُيّد زمان على شكل شاليهات ولم يُفتح يوما. ثمة خطة بدأت منذ مدة طويلة لتحويل المحطة من حنوش الى سلعاتا وكأن المحطة في سلعاتا لمصلحة المسيحيين أما في حنوش فلمصلحة “الهنود الحمر”!

غريبة ٌ طبعا هي المسائل في لبنان. فهناك في حنوش لا مساكن قد تتضرر من خطر أمني ما، وتوجد إستملاكات قديمة، والأرض بور في حين أن الأرض التي تحوط الشاطئ في سلعاتا باتت، بعد سلسلة خطوات بيئية طويلة، خضراء جميلة. كما يمكننا من مكان واحد، من نقطة واحدة، رؤية البقعتين. فلماذا هذا الإصرار على أن تكون المحطة المسيحية في سلعاتا؟

 

ما عاد يُخفى على الكثيرين أن “المصالح الخاصة” تتحكم دائما بمشاريع من هذا النوع. أسماء كثيرة ترددت في الأسبوعين الماضيين عن تملّكها لأراضٍ في حنوش وتنوي إبعاد شبح التلوث عنها بينها النائب السابق نعمة الله أبي نصر وآخرون، هل علينا أن نصدق أن معالي الوزير السابق جبران باسيل يتمسك بهذا الشكل بمشروع لمصلحة هؤلاء؟ لا بُدّ أن تكونوا قد سمعتم كثيراً في الآونة الأخيرة بشركة ميكادا التي لها مصالح فوق وليس لها رقم في السجلات التجارية. شركة ميكادا قطبة مخفية أخرى في القضية وحين تتكشف أسماء أصحابها “يبطل العجب”!

 

في كل حال، أصحاب العقارات التي قد تشملها الإستملاكات في سلعاتا هم: شركة الزيوت في سلعاتا، وأشخاص من آل تيدروس، وأشخاص من آل النار يملكون أراضي مشتركة مع بيت العيتاني، وثمة أراض أيضا لطوني الصايغ ولـ آل سلوم، تُقدّر بنحو 28 ألف متر، وأرض لجوزف دعبول وأصله من كبا، وثمة أراضٍ مملوكة من محطة الصرف الصحي ومن شخص من آل كفوري. المهم من عرضِ هذه الأسماء أنها تخلو من أسماء نافذة.

 

رئيس البلدية جورج سلوم يتحدث عن كلام يتم التداول فيه فوق، في سلعاتا والجوار، عن “أن الأميركيين يريدون حنوش كقاعدة بحرية، لقربها من مطار حامات، لذا تقرر نقل المحطة من مكانها الأصلي الى سلعاتا. ويستطرد: فليصارحونا بذلك”.

 

في المقابل، هناك من تحدث عن خطة أخرى موضوعة هذه المرة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري. إيلي طالب يقول: إنهم يعترضون على إقامة معمل الكهرباء إستجابة لنبيه بري الذي يريده في الزهراني ودير عمار لا في المنطقة المسيحية!

 

كلام كثير يسري في جوارٍ يريد أن يردّ عن نفسه “الطابة” التي نوى من نوى رميهم بها.

 

وجود معمل للكهرباء مهم جدا. يجمع كل من يعيشون في سلعاتا على ذلك لكن، فليرحموا سلعاتا من تلوث إضافي وخطر جديد: “فهل يعقل وضع الزيت جنب الغاز”!

 

قيل ما قيل، وتكرر قول ما تكرر، وسيظل معمل الكهرباء في سلعاتا حديث الكثيرين الى أن يبرز مشروع جديد وجدلية جديدة وحساب “ربح وخسارة” جديد! وماذا لو جرت الإستملاكات ونُفذ المشروع هذه المرة؟ أهالي سلعاتا لن يقطعوا الطريق ولن يحرقوا الدواليب بل سيطالبون عبر القضاء، وبالقانون، ويتمنون أن يحصل في بلدتهم ما حصل في بسري وعلى صخور نهر الكلب. فالقضاء، إذا أنصف، فسيُنصفهم.

 

“هني عمبلقلقوا عليه وهوي راخيها في اللقلوق”… هناك من ردد هذا الكلام وهو يدافع عن خيارات وزير الخارجية السابق. في المقابل، هناك، في سلعاتا، من رددوا: نحن نعيش القهر والتلوث والخشية على المستقبل وهناك من يتكلم، بلا وكالة، باسمِنا. فليجروا استفتاء على الأرض وليعملوا بنتيجته.

 

في البلدة ثمة كنائس وأديرة عدة، موغلة في التاريخ. وثمة عبارة نقرأها في مطارح كثيرة في الأرجاء: يا مار سمعان إحمها واحمِ من فيها. الأهالي مؤمنون والإيمان أقوى من كل الخطط و”فائض القوة” والموبقات.