للمرة الثالثة والأربعين لا يكتمل نصاب جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية، وبدلاً من أن يرتفع عدد الحضور إلى ساحة النجمة تلبية للدعوة الموجهة من رئيس المجلس يتناقص العدد إلى 31 نائباً، للتدليل على أن الأكثرية النيابية ولا سيّما الملتزمين منهم بروح الدستور ونصّه، فقدوا الأمل بإمكان عدول زملائهم نواب حزب الله والتيار الوطني الحر عن قرار تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، والمبكي على هذا الصعيد أن المقاطعين لا يخجلون من تصرّفهم ويدّعون أمام الرأي العام أنهم يمارسون حقّهم الدستوري في المقاطعة، وأي حق دستوري يدّعون عندما يعطّلون جلسة انتخاب رئيس جمهورية، وهل حصل في تاريخ الدول الديمقراطية أن مارست أقلية نيابية مثل هذا الحق وبقيت تتمتّع بالحصانة النيابية، ولم تُنزع عنها هذه الحصانة، بقرار يقضي بحلّ مجلس النواب وإجراء إنتخابات نيابية جديدة تُفرز أكثرية تُمارس حقّها في تسلّم السلطة، وأقليّة تُمارس دورها في المعارضة كالرقابة والمساءلة وما يستتبع ذلك من حقوق تتمتّع بها الأقلية في الدول الديمقراطية، فمن المسؤول عن هذا الذي وصلنا إليه؟
المسؤولية مزدوجة بين رئيس مجلس النواب الذي قبل بأن تُمارس الأقلية هذا الدور التعطيلي، ولم يُبادر إلى اتخاذ قرار يعتبر فيه كل نائب يتغيّب عن حضور جلسات مجلس النواب ثلاث مرات متتالية مستقيلاً من النيابة، وهذا التدبير منصوص عنه في النظام الداخلي لمجلس النواب، لكن رئيس المجلس ولاعتبارات خاصة لها ارتباط بمصالحه السياسية والإنتخابية وبتحالفاته السياسية لم يستعمل مثل هذا الحق، وذهب أبعد من ذلك بانتزاعه قراراً من هيئة مكتب المجلس، بعدم جواز عقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية إلا إذا حضر ثلثا أعضاء مجلس النواب وهو يعلم أن مثل هذا الإجراء مخالف للدستور وللأعراف والتقاليد الديمقراطية.
أما المسؤولية الثانية فتقع على مجلس الوزراء الذي يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، لأنه لم يُبادر إلى إصدار مرسوم بحلّ مجلس النواب الذي لم يقم بواجبه الوطني والدستوري، وإجراء إنتخابات نيابية جديدة، تأتي بأكثرية تتولى إعادة إنتظام المؤسسات بدءاً بانتخاب رئيس للبلاد، لكن مجلس الوزراء مع الأسف الشديد محكوم بموجب الدستور بوزراء ينتمون إلى الجهات المعطِّلة لانتخاب الرئيس، وهؤلاء الوزراء يرفضون أن يوقّعوا على مرسوم حلّ مجلس النواب، ومثل هذه المشكلة الدستورية يجب أن يوجد حلّ لها حتى لا يبقى نظامنا أعوج تتحكم به أقلية نيابية، غير أن ذلك، لا يعفي مجلس الوزراء من المسؤولية الوطنية التي تعلو على كل المصالح الشخصية الأخرى التي لا وجود لها في الدول العريقة في ديمقراطيتها.
والسؤال المطروح، هو ماذا سيكون تصرّف هؤلاء المقاطعين لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية فيما لو كانوا يشكّلون الأكثرية، فهل كانوا يقبلون بأن تبقى رئاسة الجمهورية معطّلة لأن الأقلية تتمسّك بمرشّح بعينه وتصرّ على فرضه على الآخرين بقوة الأمر الواقع؟ من الطبيعي أن يكون الجواب على هذا التساؤل أو السؤال هو أن هذه الأكثرية كانت سترفض ممارسات الأقلية، وتبادر بعد جلسة أو جلستين أو ثلاث جلسات إلى انتخاب الرئيس بأكثرية النصف زائداً واحداً كما ينص على ذلك الدستور وعلى الأقلية أن ترضخ لهذا الأمر بصرف النظر عن اعتباراتها وعن اجتهاداتها الدستورية، لماذا لأن هذه الأكثرية تمتلك القوة التي تمكّنها من فرض إرادتها على الأقلية وهذا ما حصل بعد السابع من أيار عندما فرضت الأقلية على الأكثرية الذهاب إلى الدوحة والقبول بتسوية أنتجت رئيساً للجمهورية وقانون إنتخاب، وأعادت الانتظام إلى المؤسسات الدستورية.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن ماهو موقف الأكثرية هل هو الإستسلام لمشيئة الأقلية وترك البلاد معطّلة ومشلولة وسائبة ومهدّدة كما هو واقع الحال الآن، أم أنه بات يتوجّب عليها التفكير بحل للوضع الذي لم يعد يحتمل التأخير والمماطلة والتأجيل حتى ولو كان هذا الحل مخالفاً لأحكام الدستور؟