الضربة التي تحدث عنها الرئيس الأميركي ترامب، لقواعد القدرة الكيماوية لدى النظام السوري وحلفائه هزّت الاستقرار الاقليمي قبل أن تحصل، وربما بحصولها، تتجوّل الهزّة الاقليمية الى زلزال دولي.
واذا كانت النار تحرق في مكانها، فان وجود لبنان على أطراف الوجاق السوري، يجعل من ضمان سلامته افتراضا ضعيف المكونات، فبلدنا واقع وسط اقليم متفجّر، تمسك بتلابيبه ثلاث دول شغفها التوسّع والسيطرة، هي اسرائيل وايران وتركيا، وتديره الولايات المتحدة وروسيا…
الحكومة اللبنانية شهرت ايمانها بسياسة النأي بالنفس، من خلال رئيسها سعد الحريري، فبارك البعض ولعن البعض الآخر، المباركون هم الفريق الداعي لآحادية السلطة والدولة، والذي يرى ان الراعية الدولية لاستقرار لبنان، توجب علينا، تحييد أنفسنا عند تغيير الدول، والذي يحصل في المنطقة الآن، أو سيحصل، هو نوع من تغيير الدول بأنظمتها وربما في حدودها، ولا مبرّر للصغار أمثالنا في الانخراط. بلعبة الكبار، وكان الاتفاق الضمني في مجلس الوزراء، ننأى بالنفس مما قد يحصل، ونشكو اسرائيل الى مجلس الأمن على ما حصل، من قصف للأراضي السورية من الأجواء اللبنانية.
وطبعا كان فريق يعتبر النأي بالنفس، خارج المسألة المطروحة، حتى ان بعض الأوساط، عقّبت على سؤال حول ما سيكون عليه جواب حزب الله فيما لو استوضحته الحكومة عما سيفعل لو حصلت الضربة الأميركية، بالقول، حزب الله لن يعطي الحكومة شرف الاجابة على مثل هذا السؤال…
وهذا الجواب منطقي في بعض جوانبه، فالسلاح الايراني لدى حزب الله اذا لم يكن دوره مواجهة مثل الضربة المتوقعة للنظام السوري المتحالف مع ايران، فأي دور ينتظره؟
منطق السلامة الوطنية، يتواجه هنا مع منطق الالتزام العقائدي المتجاوز للحدود، بحيث نكون أمام ما يشبه القرار التفضيلي، للحزب، على وزن الصوت التفضيلي، في الانتخابات… والمؤشرات تؤكد، دون جدل، بأن القرار التفضيلي للحزب سيكون الالتزام بالدور المرسوم له، بمعزل عن النتائج والارتدادات.
وعلى سيرة الصوت التفضيلي الشاغل للماكينات الانتخابية، كُثُر تساورهم الشكوك حول مصير الاستحقاق الانتخابي الموعود في السادس من أيار، وأكثر من يعتقدون بأن هذا الاستحقاق سيكون الضحية الأولى للضربة الأميركية – الأوروبية، للنظام الكيماوي في سوريا.
ويرى البعض ان الجواب في طهران، وفي الموقف الذي تعتمده في موضوع الضربة، هل تنخرط في ردود الفعل، أم تترك لعبة الحزب للكبار؟ فاذا اختارت طهران الانغماس مباشرة، أو حتى من خلال حزب الله، يكون على الانتخابات السلام، واذا غلبت الحكمة والحنكة يمكن ابقاء لبنان بعيدا عن شرر الجمر المشتعل في سوريا.
والراهن ان مختلف القراءات تضع ايران في قلب احداثيات الضربة الأميركية. البعض يعتقد ان لدى الرئيس ترامب حسابا يصفّيه مع الرئيس الروسي بوتين، في أكثر من بقعة ومكان، وقد يكون هذا صحيحا، لكن الصحيح، بل الأصح، ان حسابه الأكبر مع الملف النووي الايراني، ومع ايران كمصدر للأخطار المحتملة، كما يصفها المفكرون الغربيون، منذ عهد الشاهنشاه، الذي طرح نفسه كحام للخليج، ثم اكتسبت بعد رحيل الشاه، ميولا توسعية باعتمادها نظرية تصدير الثورة…
ويلاحظ المتابعون ان أوروبا تعنيها ايران من زاوية استمرارية تدفق النفط والغاز باتجاهها، الى جانب التجارة بالطبع، فيما الاستراتيجية الأميركية حيالها تقوم على المصالح الشاملة، وفي طليعتها الطاقة واسرائيل.