IMLebanon

«النأي بالنفس» يصمد في وجه «التغريبة» العربية واللبنانية

«الخارجية» تدين إيران.. بـ«حكمة» البيان الوزاري

«النأي بالنفس» يصمد في وجه «التغريبة» العربية واللبنانية

«تقتضي الحكمة، في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها منطقتنا، أن نسعى إلى تقليل خسائرنا قدر المستطاع، فنلتزم سياسة النأي بالنفس ونحصّن بلدنا بأفضل الطرق تجاه تداعيات الأزمات المجاورة، ولا نعرّض سلمه الأهلي وأمانه ولقمة عيش أبنائه للخطر».

بهذه العبارة «الحكيمة»، اختتم الرئيس تمام سلام تلاوة البيان الوزراي، الذي نالت حكومته الثقة من مجلس النواب على أساسه، قائلاً: «هذه هي المصلحة الوطنية كما نفهمها».

بعيداً عن المواقف المؤيدة أو المعارضة لهذا التوجه، إلا أنه حتى اليوم لا يزال هو القاعدة التي تحكم السياسة الخارجية للبنان. وهذا توجه شاركت في صوغه كل مكونات الحكومة، ويفترض أن لا يكون موضع خلاف مع أحد، لو كانت الدولة دولة.

أما وأن البلد يسير بحسب رياح المصالح الفئوية لكل من الأطراف، فإنه يصدف أن يكون الموقف نفسه حكيماً هنا وأرعنَ هناك.

عندما نأت وزارة الخارجية بنفسها عن قرار إدانة الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وعن التدخلات الإيرانية في الشؤون السعودية، تسلحت بالبيان الوزاري، والتنسيق مع رئاسة الحكومة. ذلك لم يكن مقنعاً للرئيس سعد الحريري، الذي وجد نفسه مضطراً لكسر الإجماع الحكومي، وتفضيل «الإجماع العربي» على إدانة إيران. يبتسم وزير سابق عند التطرق إلى الحرص على الإجماع العربي والعروبة. يسأل: أين كان هذا الإجماع من التورط العربي في سوريا والعراق وليبيا؟ وأين هو من الهَبَّة الفلسطينية التي تلقى الإدانة العربية بدل الدعم؟ ويضيف، باختصار، الصراع الآن ليس عربياً عجمياً بل عربياً ـ عربياً وينم عن وصول العرب إلى أسفل درك. وعليه، يؤكد المصدر أنه إذا كان ثمة من يريد أن يعلن موقفاً ينسجم مع ولائه الاجتماعي والسياسي للسعودية، فلا داعي لقولبته بالحرص على العروبة.

أربك موقف الرئيس سعد الحريري سلام وجعله في خانة المتهم بالتمرد على الوصاية السعودية. في «14 آذار» خرجت أصوات تؤكد أنه شريك مضارب في القرار الباسيلي «الممتاز»، كما وصفه رئيس الحكومة.

لم يعلق الحريري على موقف سلام مفضلاً توجيه سهامه إلى باسيل، الذي عاد وكرر «خطيئة» النأي بالنفس، عن البيان الصادر عن «منظمة التعاون الإسلامي» بإدانة إيران. وفيما كرر الحريري انتقاد الخروج عن الإجماع العربي، حذّر أن «هذا التغريب للبنان عن عروبته هو نذير شؤم بمحاولة الهيمنة على القرار الوطني».

وزارة الخارجية كانت بالمرصاد، متسلحة بدعم طاولة الحوار، وموقفها المبدئي الرافض للاعتداءات على البعثة الديبلوماسية السعودية في ايران، والرافض للتدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية. وأشارت الى أنّ موقف لبنان بالامتناع عن التصويت لم يخلّ بأيّ إجماع.

ولأن الحرج مستمر، كسر سلام، من دافوس، الإجماع اللبناني المستمد من البيان الوزاري، معتبراً أن أصل النزاع بين إيران والسعودية هو التدخل الإيراني القائم منذ سنوات في العالم العربي.

ولكن، ذلك يبقى موقفاً شخصياً بالنسبة لوزير خارجية سابق، يذكر أن المسؤول عن السياسة الخارجية للحكومة اللبنانية هو وزير الخارجية وليس رئيس الحكومة. وبالتالي، فإن ما أعلنه سلام لا يمكن وضعه في إطار كسر القرار اللبناني الذي ينأى بنفسه عن صراعات المنطقة بقدر ما هو موقف شخصي يريد إبعاد الإحراج عنه.

بعيداً عن مواقف سلام والحريري المفهومة، يدرك الطرفان أن الإخلال بسياسة النأي بالنفس غير وارد لأنه يمكن أن يعرض البلد لانقسامات لا تحمد عقباها. وقد جاء موقف النائب نواف الموسوي ليؤكد هذا المنحى، فأشار إلى أنه «لأننا نعرف أن لبنان التعددي لا بد من أن تجد مكوناته في ما بينها حدا أدنى للتفاهم، قبلنا بالموقف الذي لا يجعل لبنان ملحقا بأي حلف، وألا يفقد لبنان أيا من صداقاته»، مذكراً أنه «لو أردنا أن نفرض إرادتنا وموقفنا كما يحاولون أن يفرضوا موقفهم، لقلنا يجب أن نقف في مواجهة النظام السعودي العدواني».

أمس، وجدت وزارة الخارجية نفسها مضطرة للتعامل مع اختبار ثالث يتعلق بتعاطيها مع الصراع السعودي ـ الإيراني، لكنها هذه المرة لم تجد من داعٍ لـ«النأي بالنفس»، فقد وافقت بعثتها في البحرين على البيان العربي ـ الهندي الذي أدان الاعتداءات على البعثات الديبلوماسية السعودية في إيران، وعلى عدم تدخل ايران في الشؤون الداخلية للدول العربية.

وبالرغم من أن هذا البيان أوحى للبعض أنه يحمل في طياته تراجعاً تحت الضغوط الحريرية والتخلي «السلامي» والمسايرة الرئاسية، إلا أن التدقيق في نص «إعلان المنامة» الصادر عن «منتدى التعاون العربي ـ الهندي» يؤكد أن الصياغة التي اتبعت للبنود الـ39 للإعلان، جاءت لتراعي الحد الأدنى المشترك بين كل المشاركين، كما جاءت متوافقة مع الموقف المبدئي لـ«الخارجية» الرافض للاعتداء على البعثات الديبلوماسية. كما لا يشبه البيان في صياغته البيانات الصادرة عن اجتماعَي الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي، لا بل أكثر من ذلك، فقد أكد «الإعلان» على «أهمية أن تكون علاقات التعاون بين الدول العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية قائمة على مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها، وحل الخلافات بالطرق السلمية وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها».