Site icon IMLebanon

النَأْيُ بالنفس عن الإستقلال

 

منذ سنة 1943 حتى مشارف 2018 خمسٌ وسبعون سنة من عمر الإستقلال، أسفَرتْ عن: نصفِ دولةٍ ونصفِ سيادةٍ ونصفِ استقلال… وعن نصفِ وطنٍ مقيمٍ في لبنان، ونصفِ وطنٍ مهاجر منْـهُ، ونصفِ وطـنٍ نازحٍ إليه .

وإذا كانت عصبة الأمم التي أُنشئتْ بعد الحرب العالمية الأولى قد أطلقتْ مبدأ الإنتداب لتدريب البلاد التي لم تبلغ مستوى يؤهِّلها لأن تحكم نفسها بنفسها.
فإن لبنان منذ الإنتداب واستقلال ما بعد الإنتداب ، بل منذ أن كان وطناً، ودولة لبنان الكبير سنة 1920… لم يتوصل بعدُ الى بلوغ مستوى من النضج
يؤهِّله لأن يرْمـيَ أَضراسَ الحليب من فَمِـهِ ليحكم نفسه بنفسه.

ثـمة تساؤلٌ ذهنـيٌّ لا يزال يطرح نفسه حول جواب الجنرال شارل ديغول ردَّاً على سؤال: كيف تغادرون لبنان من دون أن تعقدوا معه معاهدة صداقة أو ثقافة فقال: «أخشى أن يندم اللبنانيون على ذلك في مستقبل الأيام…»؟

سنة 1943 تأسس الإستقلال اللبناني على قاعدة النأي بالنفس: «لا للشرق ولا للغرب»… ولا يزال هذا الإستقلال متراقصاً بين الشرق والغرب.
وبعد ثورة 1958، أعيد بناء الإستقلال على قاعدة: «لا غالب ولا مغلوب»… ولا يزال مترنِّحاً بين انتصار الغالب وانهزام المغلوب.

وبعد حرب 1975 كانت إعادة تأسيس الإستقلال في اتفاق الطائف على معادلة:

لبنان وطن نهائي، وهو مطلب استقلالي تاريخي للمسيحيين.
ولبنان عربي الهوية وهو مطلب تاريخي توحيدي للمسلمين.

ولا يزال هذا الإستقلال يتصادم بين الهوية والنهائية.

على مدى خمس وسبعين سنة لا تزال المشكلة هي هي: مشكلة الهوية والطائفية وازدواجية الولاء، ولم نتمكن من أن «نلَبْـنِنَ» ذاتنا الوطنية المطلقة في هويتنا وثقافتنا وتقاليدنا وانتمائنا، وفي كل خصائصنا الحضارية والقومية والتاريخية.

«اللَّبْنَـنَةُ المطلقة، هي في ارتداء العلَمِ الوطني التصاقاً فوق نَبْـضِ القلب، وفي حَمْلِ خشبِ الأرز على الكتفين ولو كانت الطريق الى الجلجلة.
نحن، لا نزال في وطنٍ يستورد أوطاناً ويستورد مواطنين غرباء، لا نشبههم ولا يشبهوننا، يعبرون الحدود ويكتبون أسماءَهم بالماء.

ولا نزال مواطنين… نضيع في أوطان الآخرين على أرضنا، ونتصارع في أرضنا على إسم الوطن، لكُلِّ طائفةٍ وطـنٌ تكتبه على إسمها في دوائر النفوس، ولكل وطـنٍ إلـهٌ ونبـيٌّ، ولكل نبـيٍّ دولةٌ واستقلال، فيما الله والأنبياء يستوطنون السماء ولا يحتاجون الى وطنٍ، أو الى دولـةٍ لهم على الأرض.

لست أدري إذا ما استمّـرت بنا الحال على هذا النحو من «التوثُّـن» الوطني، ما إذا كنا سنلجأ بعد خمس وسبعين سنة جديدة، الى توطين أهل السماء في لبنان ليصبح عندنا استقلالٌ ووطن.