بعد الإقبال على الخزنات الحديدية في بداية الأزمة، تشهد «سوق» أجهزة الإنذار والمراقبة وشركات الأمن الخاصة ازدهاراً على خلفية المخاوف من موجة سرقات واسعة تترافق مع ارتفاع معدلات الفقر. الكلفة العالية لهذه الأجهزة تجعلها حكراً على الميسورين، ما يعني أن الفقراء ربما لن يسرقوا إلا فقراء!
تقديرات الاقتصاديين تؤكد أن منازل اللبنانيين تحوّلت إلى «ميني مصارف» تضم أكثر من ثلاثة مليارات دولار، بعدما فقد هؤلاء ثقتهم بالنظام المصرفي الذي سرق أموالهم. لذلك، ازدهرت مع بداية الأزمة الاقتصادية «تجارة» الخزنات الحديدية التي زاد الإقبال عليها بنسبة تزيد على 40%. لكن، مع اشتداد الأزمة وازدياد نسب الفقر، وهو ما يرافقه عادة ارتفاع في جرائم السطو والسرقة، لم يعد الحديد وحده كافياً لبعث الطمأنينة في النفوس. كثيرون اليوم يبحثون عن وسائل أكثر أمناً، وهو ما يشير إليه النمو الكبير في الطلب على أجهزة الإنذار وكاميرات المراقبة، وحتى شركات الأمن الخاصة.
تقديرات البنك الدولي تؤكّد أن معدلات الفقر في لبنان سترتفع إلى 45% من عدد السكان (3 ملايين من بينهم 1.7 مليون عام 2020)، وأن معدلات الفقر المدقع سترتفع إلى 22% (1.5 مليون من بينهم 685 ألفاً عام 2020). فيما حذّرت دراسة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، نهاية آب الماضي، من أنه «قد يتعذّر على نصف السكان الوصول إلى احتياجاتهم الغذائية بحلول نهاية عام 2020». هذه، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، تشير إلى أننا مقبلون على موجة استثنائية من السرقات بعنوان «صراع البقاء». وهذا ما يبدو جلياً مع تكاثر أخبار السرقات التي تستهدف كل ما يمكن الوصول إليه، من الأموال النقدية إلى «شوالات» البصل و«رؤوس» الماعز!
مهندس المبيعات في شركة «كرم إلكترونيكس» شربل رامز الحاج يشير إلى أن مبيعات أجهزة الحماية «ارتفعت في الشهرين الماضيين بنحو 30%»، فيما يؤكد مدير شركة «بولاريس» مارون ناصيف نمو الطلب «بنسبة 25% تقريباً». الحاج أوضح أن مجسّات الإنذار تلقى إقبالاً أكثر من الكاميرات، كونها أكثر فعّالية لجهة إخافة اللص ودفعه إلى الهرب. «فالكاميرات، في النهاية، ثابتة ولا تصدر أصواتاً وقد تكون عديمة الفعّالية في حال كان الشخص ملثماً. كما أن أهمية مجسّات الإنذار تكمن في قدرتها على إشعار صاحب المنزل أو المؤسسة، عبر هاتفه الخلوي، بأي عملية دخول غير مشروعة إلى ممتلكاته في حال كان خارج المنزل أو مسافراً».
الحاج وناصيف لفتا إلى أن معظم من يطلبون هذه الخدمات هم «من أصحاب القصور والفلل ومن الميسورين الذين يخبّئون دولارات في منازلهم». والدولار، هنا، هو الكلمة السحرية التي تضمن «راحة البال»، ومن دونه تتعذّر الحماية. فبحسب مدير شركة «سمارت سيكيوريتي» رستم يمق، «الطلب كبير جداً. لكن حين نصل إلى الكلفة تحصل غربلة ويبقى من يملكون الدولارات. فالدفع لدى كلّ الشركات العاملة في هذا المجال يتم نقداً وبالدولار فقط».
تتفاوت كلفة شراء أجهزة الحماية وتركيبها بحسب النوعية وحجم الخدمات التقنية التي ترافقها، وهي قد تُراوح بين مئات عدة من الدولارات وآلاف الدولارات. أما الطلب في لبنان فيتركز في غالبيته على الأجهزة المتوسطة الكلفة التي يُراوح سعرها بين 500 و1000 دولار.
خبراء في هذا «الكار»، يؤكدون أن «الطلب على هذه الأجهزة يتركز في العادة في المناطق الجبلية التي يهجرها سكانها شتاء». لكن اللافت أن الفورة الحالية تأتي من المدن الكبرى التي يُعتبر الأمن فيها عادة ممسوكاً أكثر، ما يشير إلى مخاوف لدى كثيرين من تزايد عمليات السرقة والسطو. أضف إلى ذلك أن «الإقبال الأكبر على شركات الأمن الخاصة اليوم هو من أشخاص يرغبون بتوفير الحماية لمنازلهم أكثر مما هو من أصحاب مؤسسات»، إذ أن «كثيرين من أصحاب الفلل والقصور باتوا يرتابون في النواطير وإمكان تورطهم مع عصابات في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، ويفضّلون بالتالي التعامل مع شركات تؤمن عناصر مضمونين ومدربين». وإلى مخاوف السرقة، ساهم انفجار المرفأ وما تبعه من انفجارات متنقلة بسبب تخزين المازوت أو تسرب الغاز، في «زيادة الطلب على أجهزة الحماية والإنذار من قبل مخازن ومؤسسات تخزّن موادَّ زراعية أو كيمياوية قابلة للاشتعال أو الانفجار»، وفقاً لناصيف.
المصارف تدعو «الزبائن الكرام» إلى تفهّم سرقة أموالهم!
حتى بعدما رضي المودعون بالواقع الذي فرضته المصارف، والذي أدى إلى تخفيض سقوف السحب من الحسابات بالدولار، وتنفيذ هيركات إلزامي على الودائع يعادل 50 في المئة، لم ترضَ هذه المصارف. أمس شرّعت ما سبق أن أعلن عن تخفيض سقوف السحب بالليرة. وببيان شديد التهذيب، ويخالف كل منطق تعامل المصارف مع المودعين الذين سرقت أموالهم، دعت جمعية المصارف، بعد اجتماع وفد منها مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، «الزبائن الكرام إلى تفهّم مبرّرات هذه الإجراءات المؤقتة التي من شأنها أن تساهم في تنظيم وضبط السوق في لبنان».
كما أعلنت الجمعية أنه «تم التوافق على ما يأتي:
1- تأكيد أن هذا النوع من التدابير هو في طبيعته إجراء موقّت تفرضه أوضاع استثنائية وتلجأ اليه المصارف المركزية في العالم لمكافحة التضخم والارتفاع المفرط في أسعار السلع والخدمات، من دون التقصير في تلبية مجمل حاجات السوق المحلي إلى السيولة.
2- تأمين ما يحتاج إليه السوق اللبناني وزبائن المصارف من السيولة، من دون أن تكون هذه الأخيرة محصورة بالسيولة النقدية.
3- تحفيز المواطنين وزبائن المصارف على استعمال مختلف أدوات الدفع الأخرى المتاحة لهم عبر النظام المصرفي كبطاقات الائتمان والشيكات والتحاويل المصرفية».
الردّ الأسرع على هذا التحفيز، أتى من موزعي المحروقات. فبعد تعميم مصرف لبنان القاضي بإلزام مستوردي المحروقات الدفع النقدي، اتخذ الموزعون قراراً بتوقيف اعتماد البطاقات المسبقة الدفع على المحطات. وهذا الموقف من المتوقّع أن يُعمم، بحيث تزداد نسبة رافضي القبض بالبطاقات، ما يعني في النهاية أن السقف النقدي الذي سيحصل عليه المودع هو كل ما يمكنه استعماله، إذا لم يكن يملك المدّخرات.