بعد إستفحال ظاهرة السرقات في زحلة وتعويضاً عن غياب هيبة الدولة
على مدخل حي السيدة في مدينة زحلة، من حيث تنطلق منطقتها الصناعية، رفعت منذ أيام لافتة، حملت الإعلان التالي: «تعلن الهيئات الإقتصادية والحرفية في حي السيدة، بالتعاون مع بلدية زحلة – معلقة وتعنايل، عن المباشرة بتنفيذ مشروع الحراسة الليلية لمكافحة ظاهرة السرقات المتكررة، نأمل من أهالي الحي والمحلات الموجودة ضمنها التعاون».
لوهلة، يقرأ الإعلان كإفصاح عن أمن ذاتي ستلجأ اليه المنطقة تعويضاً عن هيبة مفقودة يشكو منها معظم القاطنين في مدن الاطراف. وهم قد بدأوا يلمسون غياب هيبة الدولة، من خلال تفشي ظاهرة السرقات، بعد إستفحالها في أكثر من منطقة لتطال عملياتها حتى أبسط المقتنيات.
وقد إشتكى العديد من الأشخاص من عمليات إستيلاء على المقتنيات، خصوصاً في فترة إنقطاع التيار الكهربائي ليلاً، والذي يمنح السارقين وفقاً لهؤلاء وقتاً كافياً ليقتحموا المؤسسات بواسطة الكسر والخلع احياناً، مستهدفين ليس فقط أموالاً في الخزنات، وإنما كل ما تطاله أياديهم من دراجات نارية صغيرة وهوائية، سيارات، كابلات كهرباء ومحولات، وحتى مقتنيات صغيرة.
وبعدما إستجابت بلدية زحلة لمناشدات الأهالي عبر نوابهم بالتراجع عن إطفاء مصابيح الانارة العامة باكراً، فرضت الظلمة على الطرقات لفترة طويلة مجدداً إثر لجوء شركة كهرباء زحلة لتمديد فترة التقنين خلال ساعات الليل.
إلا أن تكرار ظاهرة السرقة في حي السيدة، بمحيط محدد منذ فترة، جعل صرخة الاهالي ترتفع، بعدما وجدوا في ذلك إنتهاكاً لكراماتهم قبل ممتلكاتهم.
فحي السيدة هو حي من أحياء مدينة زحلة، يضم المدينة الصناعية القديمة قبل توسعها بإتجاه السهل. يتوزع النشاط الصناعي في هذه المنطقة ويتآخى مع البيوت السكنية. معظم سكان الحي هم من الطائفة السريانية، وهم سياسياً مؤيدون بغالبيتهم لـ»القوات اللبنانية».
التنميط السائد في المقابل هو أن يكون السارق إما من النازحين السوريين أو من بعلبك وبيئاتها الحاضنة في بعض المجتمعات. وبالتالي صارت حماية الأرزاق في هذه المنطقة بنظر أبنائها، جزءاً من مواجهة للبيئة السياسية التي تحضن برأيهم السارقين، قبل أن تكون حقوقية.
وكان من الطبيعي أن ينشط على خط إستيعاب المشكلة نائبا «القوات اللبنانية» جورج عقيص والياس إسطفان، اللذان كثفا اللقاءات والإتصالات مع الاجهزة المعنية ومع الفاعليات المحلية والمركزية، وإنما من دون التوصل الى حل عن طريق السلطة الشرعية.
فالاجهزة الأمنية التي من المفترض أن تسهر على سلامة المواطنين واملاكهم تعمل باللحم الحي، واحياناً لا تملك قدرة تزويد آلياتها بكميات البنزين الكافية لتسيير الدوريات، فيما عديد الشرطة البلدية التي طالب المعنيون أيضاً بتدخلها، لا يسمح بتواجدها بكثافة في أي من احياء المدينة، خصوصاً أننا نتحدث في زحلة عن منطقة واسعة جداً عقارياً.
هذا الواقع دفع للبحث عن حل بديل، تداركاً لما أطلق من دعوات الى حمل السلاح، وتوجيهه مباشرة على كل من يشتبه بتعديه على ممتلكات الناس، لتأتي الحراسة الليلية كحل وسطي بين الغياب الكلي للروادع والدعوة الى حمل السلاح عشوائياً. وشرح النائب جورج عقيص أنه تم إيجاد المخارج القانونية لذلك، بحيث أنه تناط عملية الحراسة بشباب من الحي تحت غطاء ما سمي بالهيئات الإقتصادية وبالتعاون مع بلدية زحلة.
علماً أن التوافق الذي تمّ مع البلدية يمنع حمل السلاح، وإنما يقضي بتزويد الشباب الذين سيتطوعون بأحيائهم بأجهزة إتصال تربطهم مباشرة مع الشرطة البلدية لتتدخل عند الإشتباه بأي عملية سرقة، وتتخذ حينها الإجراءات اللازمة لجهة إبلاغ القوى الأمنية.
هذا الحل لا يبدو أنه قارب مطالبات الأهالي، الذين لا يزال جزء منهم يرى بأن الحراسة من دون تزويد الحراس بالسلاح، لن تؤدي لقمع عمليات السرقة. وبرأي هؤلاء أن «الحرامي لا ينتظر»، وبالتالي إذا لم يوقف فوراً، فهو قادر على تنفيذ عمليته والمغادرة قبل وصول أي من عناصر الأجهزة الرسمية. ومن هنا يقول أحد أبناء المنطقة المطلعين، بأن الموضوع عاد الى نقطة الصفر لجهة مناقشة آلية إختيار الحراس الليليين والمعدات التي يجب أن يزودوا بها، وكيفية تمويل نفقاتهم، والتي لا يمانع العديد من أصحاب المؤسسات من أن تكون من جيوبهم، شرط أن يتأكدوا من فعالية هؤلاء المتطوعين بمنع التعديات عليهم.
يعكس الكلام مع أهالي الحي في المقابل، يأساً من الحال المترهلة للدولة، فهم كما يؤكدون لم يعودوا يشعرون بوجودها أو حتى بهيبة أجهزتها، وهو ما يعزز القناعات لديهم يومياً بضرورة حماية ممتلكاتهم بأيديهم، الامر الذي يخشى بعض العقلاء أن يؤسس لسابقة لا يمكن تقدير تردداتها السلبية على المجتمعات وروابط القرى وأهاليها، طالما أن الدولة بدورها الراعي والحامي هي الغائب الأكبر.